للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الاستعاذة]

نبدأ أولاً بالاستعاذة بالله عز وجل من الشيطان الرجيم: فمعنى (أعوذ) أي: ألتجئ وأعتصم بالله سبحانه وتعالى.

(من الشيطان): المراد بالشيطان كل متمرد من الإنس والجن والطير، فهناك شياطين الإنس، وهناك شياطين الجن، فشياطين الإنس: هم من ضل الطريق من بني آدم، وبدءوا يضلون الناس عن الطريق المستقيمة، وأما شياطين الجن: فالمراد بهم الشياطين من أبناء إبليس، وهم الذين يضلون الناس عن الطريق، ولكن شياطين الإنس والجن كما قال الله عز وجل: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:١١٢]، ولذلك فإن الإنسان قبل أن يبدأ أي قراءة، وفي كل حالة ينظر أن الشيطان قد تدخل في أمر من أموره، أو بدأ يسول له، فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، خصوصاً عند بداية القرآن، فإن الله عز وجل يقول عند بداية القرآن: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:٩٨]، كما في سورة النحل، وعلى هذا فإن معنى (قرأت القرآن) أي: إذا أردت القراءة؛ لأن الاستعاذة تكون قبل القراءة، وعلى هذا فإن المسلم عليه أن يبدأ كل شيء بالاستعاذة بالله عز وجل من الشيطان الرجيم.

ثم أيضاً هذه الاستعاذة تبعد شياطين الجن، وربما أنها لا تبعد شياطين الإنس إلا حينما تستعيذ بالله عز وجل منه مباشرة، وربما شياطين الإنس يحتاجون إلى جهد أكبر وهو البعد عنهم.

فعلى المسلم أن يبتعد دائماً عن المتمردين من البشر، وأن يبتعد عن مجالسهم ومخالطتهم، إضافة إلى أنه يستعيذ بالله عز وجل منهم، كما أنه يستعيذ بالله عز وجل من شياطين الجن، وعلى هذا فإنك تستعيذ بالله عز وجل من شياطين الإنس والجن، إلا أن شياطين الإنس يحتاجون إلى زيادة وهي الابتعاد عن مواقعهم، كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:٦٨].

أيضاً يقول العلماء: الشيطان مأخوذ من (شاط) أو من (شطن)، فإذا كان من (شاط) فمعناه: احترق؛ لأن الشيطان محترق، أما إذا كان من (شطن) فمعناه: البعد، والشطان معناه: الرباط البعيد، فيسمى شطاناً، وعلى هذا فإنه مبعد عن رحمة الله عز وجل، فنقول: هو مأخوذ من (شطن) أي: ابتعد عن رحمة الله عز وجل، أو من (شاط) بمعنى احترق، والشيطان مبعد عن رحمة الله عز وجل، ومحترق، فهو يأخذ كلا المعنيين اللغويين.

و (الرجيم): فعيل بمعنى: مفعول، أي: مرجوم، والشيطان مرجوم بآيات الله عز وجل، ومرجوم بالذكر الذي لا يمكن الشيطان من وصول بني آدم، أيضاً الشيطان مرجوم بالنجوم؛ لأن الشياطين كانوا يسترقون السمع قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فيصعد بعضهم فوق بعض إلى أن يصلوا إلى السماء، ويلتقطون من الوحي كلمة واحدة، ويضيفون إليها تسعاً وتسعين كذبة، ثم ينزلون بها فيخبرون بها الكهان، وبعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم سلط الله عز وجل عليهم هذه الشهب التي نلاحظها في السماء تنطلق من النجوم، والله عز وجل يقول حكاية عن شياطين الجن: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ} [الجن:٩]، أي: بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم: {يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن:٩]، ولذلك فعلى المسلم أن يكثر دائماً من الاستعاذة بالله عز وجل من الشيطان الرجيم.