أيها الإخوة! إن هذا القرآن منهج حياة، فكما أنه يأمر بالصلاة والصيام والحج والزكاة والعبادة، فهو أيضاً ينظم الحياة الاجتماعية وفق منهج قويم متماسك، حتى رأينا بعض الآيات لا تفرق بين العبادة وبين التعامل الأسري، اقرأ إن شئت في سورة البقرة حينما تحدث الله عز وجل عن العلاقات الزوجية ثم قال بعدها:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة:٢٣٨ - ٢٣٩]، ثم عاد مرة أخرى بعد أن أدخل آيات العبادات بين آيات التعامل بين أفراد الأسرة، فتحدث عن العلاقات مرة أخرى فقال سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة:٢٤٠].
إذاً: لا فرق بين آيات الصلاة وآيات المعاملة؛ بل إن هناك آية واحدة نزلت مرتين، فنزلت الآية التي في سورة المائدة تتحدث عن المحرمات، وهي قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة:٣]، هكذا نزلت الآية في أول الإسلام في بداية تشريع الأحكام، ثم نزل جزء آخر في حجة الوداع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بعيره يقرر حقوق الإنسان، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣]، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من الله عز وجل أن تشطر الآية السابقة وأن يدخل هذا الجزء في وسطها:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فكان تتمة الآية: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة:٣].
ومن هنا فإننا نتأكد أن القرآن ليس منهج عبادة فحسب، وليس في المسجد فقط، ولكنه في المسجد والسوق والبرلمان ومجلس الوزراء والمحكمة والبيت، وفي كل حالة من حالات الإنسان، فهو تبيان لكل شيء كما أخبر سبحانه وتعالى.
إذاً: يا أخي الكريم! يجب أن نفهم هذه القضية؛ حتى لا نخدع في عصر الدعاية المسمومة، والأفكار المشبوهة، والحرب الباردة التي فشلت، ولكنها ما زالت تطارد المسلم في كل حالة من حالاته، وتريد منه أن يمرق وأن يخرج من دينه دين الإسلام، ولكن الله تعالى غالب على أمره.