إنَّ لنا مأخذ على بعض أفراد هذه الصحوة الإسلامية المباركة، وهو أن طائفة منهم لم يتزودوا بشيء من العلوم التي تنفعهم، لاسيما وأن هذه الصحوة عمت أصحاب العلم الشرعي وأصحاب العلوم الأخرى العصرية، وهذا كله خير، لكن المجال واسع لمن أراد أن يتعلم، فهناك المكتبات، وهناك العلماء، وهناك كل وسائل التعليم والإصلاح، فعلينا أن نأخذ بها، وحينما نقول:(العلم) لا نحصر ذلك على العلم الشرعي فقط.
والله تعالى قال:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] والأصل أن أول من يدخل في ذلك هم علماء شرع الله عز وجل، لكن ذلك لا يمنع أن يدخل في هذا الأمر العلماء العصريون الذين علموا شيئاً من علم الفلك، أو غاصوا في أعماق الأرض فعلموا شيئاً من علومها، أو اطّلعوا على أي نوع من العلوم في الهندسة أو في الطب أو في الكيمياء أو في أي شيء، كل هؤلاء في الحقيقة يُعتبرون علماء، وفي كل علم من هذه العلوم كنوز توصل هذا الإنسان إلى ربه عز وجل، وتعرفه بالله عز وجل، فالذين طاروا في الفضاء لو حكّموا عقولهم ونظروا نظرة مفكر متجرد لعرفوا الله عز وجل من خلال هذا الفضاء، والذين غاصوا إلى أعماق الأرض فرأوا شيئاً من مخلوقات الله عز وجل في هذا الوجود لو فكروا لعرفوا الله عز وجل حق المعرفة، والطبيب الذي يشرح هذا الجسم وينظر إلى العروق وإلى تلك الأجزاء أن كل واحد منها يؤدي دوراً لا يستطيع أن يؤديه جزء آخر يعرف الله عز وجل من خلال هذا العلم، وهكذا كل أصحاب الفنون يعرفون الله عز وجل.
ولذلك يقول الله عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨]، ويقول عن العلوم العصرية:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت:٥٣]، ويقول عز وجل:{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢٠ - ٢١].
فهذه العلوم بجميع أنواعها تعتبر وسيلة من وسائل الإيمان بالله عز وجل، وطريقاً من أبرز طرق الإيمان ومعرفة الله سبحانه وتعالى، ولذلك نقول: إن العلم هو أكبر وسيلة للاستقامة، ونخصّ بصفة خاصة العلم الشرعي الذي يُعرفّ الإنسان بربه سبحانه وتعالى، فيعرف ربوبية الله عز وجل من خلال مخلوقاته وآياته الكونية، ويعرف وحدانية الله عز وجل من انتظام هذا الكون، قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء:٢٢]، ويعرف الله عز وجل من خلال ما في نفسه من الآيات، وحينئذ يكون مؤمنا فّذاً يعرف الله عز وجل بآياته فيؤمن به حق الإيمان.