للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكان نزول سورة الأنفال وسبب نزولها]

بسم الله الرحمن الرحيم {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ * إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:١ - ١٩].

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.

أما بعد: أحبتي في الله! هذه هي الحلقة الثانية من: "دروس من القرآن" أسأل الله أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، ولقد كان الحديث في الحلقة السابقة عن أول سورة النور، وكيف حافظ الإسلام على الأخلاق والفضيلة، وحارب الرذيلة، لكن بناءً على رغبة إخوتي الذين يرون الجهاد يقرع أبواب الناس في هذه الأيام، آثرت أن يكون هذا الحديث في هذه الحلقة الثانية عن الجهاد في سبيل الله متمثلاً في جزء من سورة الأنفال التي نزلت يوم بدر، والتي تتكلم عن الجهاد من أولها إلى آخرها، وبناءً على ذلك ستكون هذه الحلقة -إن شاء الله- عن بعض سورة الأنفال، وعن الجهاد في سبيل الله.

ثم أيضاً بناءً على رغبة كثير من الإخوة في ألا نكثر في ذكر معاني الكلمات اللفظية والإعرابية ليكون التفسير موضوعياً وشاملاً نستجيب لذلك إن شاء الله، علماً أن تحليل الكلمات اللغوية هو منطلق من منطلقات فهم كتاب الله عز وجل، لكن ربما أنه قد يحتاج إلى وقت أطول.

سورة الأنفال هذه سورة كلها مدنية، إلا أن هناك خلافاً في سبع آيات، ومنها قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:٣٠]، قال بعض المفسرين: إنها نزلت في مكة يوم الهجرة، ولا شك أن هذه الآيات نزلت في شأن الهجرة؛ لأنها تصف موقف المشركين بالنسبة للهجرة، لكن لا يمنع أن تكون نزلت في المدينة؛ لأن الهجرة هي الهجرة إلى المدينة نفسها، فلا يمنع أن تكون تأخرت عن الموقف بضعة أيام، إلا أن الذين يقولون إنها مكية يقولون: نزلت في ليلة الهجرة في مكة لتنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن مؤامرة القوم في دار الندوة، وسوف نتعرض -إن شاء الله- لمؤامرتهم ضد الإسلام في دار الندوة في ليلة الهجرة حينما اتفقوا وجاءهم الشيطان، ودخل عليهم في صورة شيخ نجدي، وكانوا يتداولون الرأي: هل نقتل محمداً؟ هل نخرجه من مكة؟ هل نحبسه ونكبله بالأغلال؟ فقال أبو جهل: أرى أن تقتلوه، وصوب الشيطان الرأي الذي يرى قتله، وأن يُؤتى برجل من كل قبيلة، ويعطى سيفاً حاداً، ويقتلون محمداً جميعاً، ويستريح الناس من شره، ويتفرق دمه في القبائل، فلا يطالب بنو هاشم ولا بنو المطلب بدمه، وتدفع لهم الدية، فكشف الله تعالى هذه المؤامرة، وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠].

ولا يمنع أن تكون نزلت في المدينة.

أما الآيات التسعة والستون البقية فبإجماع علماء المسلمين أنها نزلت في المدينة بعد موقعة بدر الكبرى التي أكرم الله عز وجل فيها الإسلام والمسلمين، ورفع فيها راية الإسلام، وبالرغم من أنها أول معركة في تاريخ الإسلام، فما كانت هناك غزوة مثل غزوة بدر، فهي الغزوة الأولى التي وقف فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة.