للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بطانة السوء وانحراف الحكام]

إنه قد يقع ممن ولاه الله عز وجل شيئاً من أمور المسلمين انحراف وزيغ وميل وجور، وحينما نبحث عن الأسباب التي أدت به إلى هذا الانحراف؛ مع أنه يحكم بشرع الله، وهو مستخلف من قبل الله عز وجل في الأرض: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص:٢٦]، {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:٣٠]، حينما نبحث عن الأسباب نجد أن هناك أسباباً كثيرة لعل من أهمها: بطانة السوء التي تحيط بالرجل فتضيق عليه الخناق، وتزين له ما حرم الله عز وجل، وقد ربما تغريه بالمؤمنين؛ لأن هذه البطانة منحرفة، فتريد أن ينحرف معها هذا المسئول؛ ومن هنا تختل قواعد الأمن والعدل في هذه الحياة، وحينما تختل قواعد العدل تفسد الحياة كلها.

وإنما تسلطت هذه البطانة على هذا الحاكم؛ لأنه أعرض عن دين الله وعن كتاب الله، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٦]، وليس الشياطين شياطين الجن فقط، بل إن شياطين الإنس أكثر وأشد، وقد يفسدون في حياة البشر أكثر مما يفسده شياطين الجن.

إن شيطان الجن يهرب منك إن استعذت بالله منه، لكن هذا الشيطان -شيطان الإنس- يدنو منك ويقترب مع أنك تستعيذ بالله منه {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٦]، لا يفارقه أبداً حتى في حال نومه، فهو دائماً معه يقول له: افعل كذا لا تفعل كذا حتى يفسد عليه دينه، وفي يوم القيامة يوم القدوم على الله عز وجل، يندم ذلك الذي انجرَّ وراء هذا الشيطان من شياطين البشر، ولكن ولات ساعة مندم {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:٣٦ - ٣٨].

لكن هذا لا ينفعه في ذلك اليوم، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٩]، فهو وشيطانه الذي كان سبباً في ضلاله في عذاب أليم.

إنه من فضل الله على هذا الإمام العادل أنه يكون في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، فحري بمن ولي أمراً من أمور المسلمين أن يكون عادلاً؛ حتى ينال هذه المكرمة العظيمة، وإنه لمن الخسارة بمكان أن يفرط في هذا الأمر العظيم، فيخسر خسارة لا ينفع معها مال ولا بنون ولا سلطان ولاجاه.