للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفتن]

الأمر الأول: الفتن.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها ستغزو المسلمين وستخترق عليهم أسوار بيوتهم بحيث تصل إلى قعر البيوت، ثم يصاب كثير من المسلمين في دينه وفي قعر بيته، ولو فعل كثيراً من الاحتياطات، وهذه الفتن هي التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (فتناً كقطع الليل المظلم)، ولعل من أهم هذه الفتن التي أحدثت هذا الانحراف فتنة الدنيا، ونلخصها فيما هو أهمها الذي هو فتنة المال وفتنة النساء.

أما فتنة المال فإن الله تعالى قد وسع على كثير من الناس ولم يستطيعوا أن يتحملوا هذا النعيم بعد الفقر، فصاروا ينهلون منه حتى الثمالة، وزادت الثروة في أيدي كثير من الناس فتعاطوا الربا وجاءوا بكثير من المحرمات فأدخلوها في قعر بيوتهم، فكان هذا المال سبباً من أسباب الانحراف، وكان ذلك مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لما جاء مرة مال من البحرين مع أبي عبيدة فعلم الأنصار بهذا المال فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فلما رآهم علم ما في نفوسهم وأنهم جاءوا يريدون شيئاً من هذا المال، فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (لعلكم سمعتم بمجيء أبي عبيدة بشيء من المال من البحرين.

قالوا: أجل يا رسول الله.

فقال: أبشروا، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على الذين من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)، ومن هنا صار لبسط الدنيا أثر كبير.

أضف إلى ذلك شهوة النساء التي أصبحت من أكبر عوامل الفتنة في أيامنا الحاضرة، والتي عرف عدونا كيف يغزو أخلاق المسلمين وأبناء المسلمين بها حتى يوصلها إلى قعر بيوت المسلمين، فدخلت صورة الفتاة في المجلة، وفي الصحيفة، وفي الوسائل المرئية من تلفاز وفيديو وما أشبه ذلك، وجاءت هذه الصورة على أبشع ما تكون، فكان لها أثر في نفوس الشباب، فحركت كثيراً من الشباب، ولربما دخلت في شكلها العام في صورة مربية أو خادمة أو ما أشبه ذلك، وحينئذ أثرت على كثير من نفوس الشباب، فصار هذا الشباب يتطلع إلى هذه الجريمة التي وصلت إليه بطريق هذه الصورة المرئية أو غير المرئية، أو بواسطة هذا الصوت الجميل الذي عشقه بالأمس، أو بواسطة هذه الأفلام التي وصلت إليه فحركت شهوته فصار يبحث عنها، ومن هنا مهدت كل السبل للمسلمين بحيث يسافرون إلى بلاد لا ترعى في دين الله إلاً ولا ذمة، ولا تعرف شيئاً من الاستقامة، ولا تعرف شيئاً من الأخلاق والفضائل، بل تبذل الجريمة للناس علناً.

ولقد توافرت كثير من وسائل الحياة في سبيل تحقيق هذا المطلب، حتى الطيران صار يُخفض للشاب بنصف قيمة التذكرة، حيث يسافر إلى هناك من أجل أن يحقق رغبته وشهوته ليأتي هنا بهذا السم الزعاف لينثره في مجتمعه، ولربما تذهب الأسرة بمجموعها فتأتي بكثير من هذه الرذائل وكثير من هذه الأفلام، وهذا سببه كله ما متعنا الله به من زينة الحياة الدنيا ومن المال، وهو الذي أشار الله عز وجل إليه بقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:٤٤]، ولعله المقصود في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأعراف:٩٥] لأن هذا المال أصبح جناحاً يطير به هذا الإنسان حيث يشاء وحيث يريد، ويوم كنا فقراء كنا أتقى لله عز وجل، ولذلك كانت وصية أحد الأنبياء لقومه: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:١٣٢ - ١٣٥].

فهذا المال إذا لم يصادف عقلية كبيرة تزن الأمور بميزان الشرع صار خطراً على هذه الأمة أو على أي أمة من الأمم، وهذا هو ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولكن أخشى عليكم الدنيا)، وجعل فتنة النساء تساوي فتنة الدنيا كلها فقال: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء).

وأعتقد أن هذا من أكبر العوامل التي سببت انحراف كثير من المسلمين.