للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة لا تكون إلا على هدي الله ورسوله]

إذاً: هذه الاستقامة واضحة، وهي سلوك الطريق المستقيم، لكن ما معنى: (كما أمرت)؟ قد يلتبس الأمر على الإنسان عندما يرى طرقاً تشبه طرق الاستقامة، لكنها ليست كما أمر هذا الإنسان، ولذلك هذا الواقع هو أخطر شيء على حياة البشرية، وهو أكثر ما يدخل الناس النار، ويجعلهم حطباً لجهنم، أن يبحث عن طريق الاستقامة ومن خلال طريق الاستقامة ينحرف، أي: يضل عن طريق الطاعة، ولذلك تجدون في القرآن أقواماً يكبون على وجوههم في نار جهنم، هم ومن كانوا سبباً في إغوائهم وضلالهم عن الطريق، فيلتفون إلى قادتهم الذين كانوا سبباً في ضلالهم عن الطريق ويقولون لهم: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨] أي: ما كنتم تأتوننا عن الشمال، ما معنى (عن اليمين)؟ أي: تأتوننا عن طريق الطاعة وما كنتم تأتوننا عن طريق المعصية، ولو جئتمونا عن طريق المعصية ما اتبعناكم؛ لأننا نعرف أن المعصية يكرهها الله عز وجل، لو أتيتم إلينا وجعلتمونا لصوصاً نسرق أموال المسلمين ما اتبعناكم، لو أردتم أن نكون فجرة وزناة نسرق أعراض المسلمين ما اتبعناكم، لكنكم جئتمونا عن طريق الطاعة؛ ولذلك الإتيان عن اليمين خطير جداً، بل لا يشك مسلم أنه أخطر من إتيان الناس عن طريق الشمال، أي: عن طريق المعصية.

وإذا أردنا أن ننظر إلى واقع الأمة الإسلامية إذا استثنينا النوع الذي هداه الله عز وجل إلى الفطرة وجدنا الناس على شقين: شق سلك مسلك المعصية، يعربد ويسرف على نفسه في المعاصي والآثام والفجور، لكنه يعرف بأنه يعصي الله عز وجل، ويعرف أنه سلك طريقاً غير طريق الاستقامة، ولربما يعد نفسه بالتوبة ويسوف، لكنه يعد نفسه أنه سوف يتوب في يوم من الأيام.

أيهما أخطر هذا المسلك أم أقوام عبدوا الله عز وجل على غير بصيرة، وهم ركع سجد لكنهم يعبدون الله على غير بصيرة، ويعبدون الله عز وجل على غير ما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فهم في اعتقادي يمثلون أهل النار الذين يقولون لمن كانوا سبباً في ضلالهم: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨]، وهذا هو طريق البدعة والانحراف عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولربما يأتي ذلك بدافع المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه حب غير صحيح؛ لأنه حب عاطفة وليس حب متابعة، والله تعالى يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].

وايم الحق سبحانه وتعالى لو بعث محمد صلى الله عليه وسلم في أيامنا الحاضرة ورأى هذا النوع الثاني من البشر الذي انحرف عن الطريق من حيث يزعم أنه يعبد الله، لقاتلهم، لأنهم يتحقق منهم قول الله عز وجل: {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٤] فقد أسرفوا وبالغوا حتى رفعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مرتبة البشرية، حتى قال قائلهم: إنه ليس من فصيلة بني آدم، هو خلق من نور، ليس له ظل، هو خلق قبل آدم إلى غير ذلك من الكلام الذي هو كفر بالقرآن في الحقيقة؛ لأن القرآن أعلمنا أن أول الخلق في هذه الأمة آدم عليه الصلاة والسلام، أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو لم يخلق من نور، وإنما خلق من لحم ودم، فهو أفضل من الملائكة الذين خلقوا من نور أضعافاً مضاعفة.

ومن قال: إن الخلق من نور يعطي المخلوق ميزة أكثر ممن خلق من اللحم والدم؟! فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا إنما أنا بشر) بل إن الله عز وجل يقول له: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:١١٠] والبشر معناه: الذي له بشرة أي: لحم ودم.

القضية أيها الإخوة ليست قضية تذوق وإنما هي قضية تعبد لله عز وجل بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما شرعه المرسلون من قبله، أما أن تكون المسألة محبة عاطفة فإن الله عز وجل يقول: (فاستقم كما أمرت) يعني: لا تستقيم كما يروق لك.

ومن هنا ندرك معنى قول الله تعالى: (كما أمرت) أي: حتى الاستقامة مضبوطة بحدود، وبدائرة لا يمكن أن يتعداها الإنسان ليبحث عن الاستقامة حسب رغبته وشهوته؛ ولذلك فإن هذا الدين محاط بحلقة مفرغة ليس فيها منفذ لأي واحد من الناس حتى يزيد أو ينقص في دين الله؛ ولذلك الله تعالى جعل آخر آية نزلت من القرآن على رأي جمهور المفسرين قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣].