للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفاظ الإسلام على حقوق المرأة]

لقد حافظ الإسلام على حقوق المرأة من عدة جوانب: منها: أن الإسلام اعترف بالمرأة إنساناً له حقوقه وحريته وأخذه وإعطاؤه وبيعه وشراؤه، وله جزاؤه في الآخرة، كما قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:١٩٥]، فشعرت المرأة بأن حقها محفوظ عند الله عز وجل في الآخرة، أما في الدنيا فلها أن تزاول كل الأعمال التي تختص بالنساء من البيع والشراء والأخذ والإعطاء والاستئجار والإيجار إلى غير ذلك من المعاملات التي أعطاها الإسلام في إطار محدود، بحيث لا يؤدي ذلك إلى فساد المرأة ولا إلى فساد المجتمع.

ومنها: أن الإسلام ألزم الرجل بعشرة المرأة عشرة حسنة، وحرم العشرة السيئة، فقال الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩]، وأثبت لها حقاً كحق الرجل، فلما ذكر الله عز وجل حقوق الرجل على المرأة ذكر أن مثل هذه الحقوق للمرأة على الرجل لكنها بالمعروف، كما في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨]، حتى لا تطلب المرأة حقاً لا يتناسب مع تفكيرها وتركيبها وما أراده لله عز وجل لها في هذا المجتمع، ولذلك فإن الإسلام أمر بالعشرة وحرم الظلم، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن: (من كانت له زوجتان ومال إلى إحداهما دون الأخرى يأتي يوم القيامة وشقه ساقط أو مائل)، وأمر بالإحسان إليها، وبالنفقة عليها، حتى قال علماء الإسلام: إن الرجل إذا عجز عن النفقة على زوجته -ولو كانت غنية- فلها أن تطالبه بذلك وتحتفظ بحقها وبمالها، وإلا فلها أن تطلب الطلاق منه، وللقاضي وللمحكمة أن تجبر الزوج الذي عجز عن النفقة على زوجته أن يطلقها إجباراً لتختار زوجاً موسراً.

أي حق أكثر من هذا الحق تريده المرأة؟! ثرية وزوجها فقير ويلزم بالنفقة عليها من غير مالها، ويجبر على طلاقها إذا عجز عن النفقة عليها! هذا حق من حقوقها الذي أثبته الإسلام، كما أن الإسلام ألغى استعباد المرأة، فالمرأة -كما عرفنا- كانت مستذلة مستعبدة، فجعلها الإسلام إنساناً كاملاً له حقه وحريته في حدود.

كما أثبت لها حق الميراث، فأعطاها نصف حق الرجل في بعض الأحيان, وفي بعض الأحيان تساوي الرجل، وفي بعض الأحيان قد تزيد على الرجل، وعلى كل فإن هذا الميراث -أيضاً- إنصاف للمرأة، وسيأتينا ضمن الشبهات التي يثيرها القوم في آخر الحديث إن شاء الله.

وأعطاها الإسلام أيضاً حرية اختيار الزوج، لكن الزوج الصالح، فلا يجوز لأبيها أن يجبرها على رجل هي لا تقبله، صحيح أنه يجب على الأب أن يرفض اختيارها الرجل غير الصالح، لكن حينما يتقدم رجلان صالحان يستويان في الكفاءة والصلاح فالحق لها في اختيار أيهما تريد، أما لو اختارت رجلاً فاسقاً فمن باب مصلحتها أن الإسلام لا يعطيها الحرية في اختيار الزوج في مثل هذه الحال، أما إذا تقدم لها رجلان صالحان فلها أن تختار أيهما تريد إذا استويا في الصلاح أو تقاربا في الصلاح.

كذلك أيضاً احترم الإسلام عواطفها الإنسانية، أما في أيامنا الحاضرة فإن الشيوعية الملحدة هي أكبر من يهين المرأة ويخرج على عواطفها ورغباتها وشهواتها الفطرية، فالشيوعية تريد من المرأة أن تكون وسيلة تفريخ، تلد الأولاد وليس لها حق العاطفة مع هؤلاء الأولاد، النساء كلهن أزواج لكل الرجال، فليس لرجل ما زوجة تخصه، هذا في نظر الشيوعية الملحدة آخر مخطط من مخططاتها، فيلغون الزواج بحيث تصبح كل امرأة في المجتمع زوجة لكل رجل من رجال المجتمع، المهم أن تنتج هذه الشيوعية الملحدة من هذه المرأة أطفالاً يكونون رجالاً لهذه الدولة، هذا هو ما يحدث الآن حتى في روسيا، ولذلك إخواننا الأفغان أكثر ما واجههم من العتو والنفور كان عن طريق جنود يسمون (الكمندوز) أبناء الزنا في روسيا، يدخلون الرجل على المرأة فتلد طفلاً فتأخذه الدولة ملكاً لها، فتربيه تربية خاصة جسمية وعقلية وحربية، ثم تزج به في الحرب، ولذلك أكثر ما استعمل هؤلاء الرجال في حرب الأفغان، وهم الذين يسمون الكمندوز، الذين -والحمد لله- أفناهم إخواننا الأفغان عن آخرهم في هذه الحرب، وقطعوهم تقطيعاً.

المهم أن المرأة في نظر الشيوعية وسيلة تفريخ، بقطع النظر عن عواطفها ورغباتها وشهواتها، من أراد أن ينزو عليها من هؤلاء الرجال فله ذلك، أما هؤلاء الأولاد فإنهم يأخذون منها، ويحال بينها وبين هذه العاطفة التي هي عاطفة البنوة، التي هي أكثر ما تسعى إليه المرأة في كل فترة من فترات التاريخ، أما الإسلام فقد احترم هذه العاطفة، ولذلك حرم الزنا، وتحريم الزنا يعتبر احتراماً لهذه العاطفة؛ لأن الولد الذي تلده المرأة عن طريق الزنا لا تتمكن من الحياة معه, ولا تعترف به ولا يعترف بها، ولذلك حرم الزنا من أجل أن يبني عشاً طاهراً عن طريق الزواج، ومن أجل أن تنجب هذه المرأة أطفالاً صالحين تشبع بهم رغباتها وعواطفها، وتعيش معهم ويعيشون معها، تؤدي الواجب نحوهم في أيام طفولتهم، ويؤدون الواجب نحوها في أيام كبرها.

هذه العاطفة لم يحترمها منهج ولا نظام كالإسلام، ولذلك إذا قرأنا نظرة الإسلام إلى النواحي الاجتماعية والعواطف الزوجية والبنوة وحق المرأة في هؤلاء الأطفال لا نجد نظاماً غير نظام الإسلام يحترم هذه العاطفة، والدليل على ذلك أننا إذا ضربنا صفحاً عن الشيوعية الملحدة التي لا تحترم عواطف المرأة وإنما تعتبرها وسيلة تفريخ فإننا سننظر إلى البلاد الغربية -مثلاً- ونترك البلاد الشرقية؛ لأن هذه بلاد على خلاف الفطرة، والبلاد الغربية أيضاً على خلاف الفطرة، فالولد يختفي ويغيب عن عيني والديه مدة طويلة من الزمن، ثم يقابلهما فلا تزيد مقابلته لهما على أن يشير إليهما بيده من بعد وكأنه رآهما قبل دقائق، مع أنه مضى بينه وبينهما سنوات لم يرهما؛ لأن العواطف الإنسانية قد فقدت في هذه المجتمعات الغربية.

ولقد اعتنق شاب من النصارى الأوروبيين الإسلام، وسألته: لماذا اعتنقت الإسلام؟ قال: والله ما كنت أتصور أن هذه العواطف تحترم في دين كدين الإسلام، كنت أقابل أمي في مقهى أو مطعم في أوروبا بعد سنين وبعد غيبة فلا أزيد على الإشارة باليد، ولما عشت في بلاد إسلامية فرأيت الولد يأتي في الصباح فيقبل رأس أبيه، ويقبل رأس أمه، ولا يستطيع أن يعيش بعيداً عن أبيه وأمه، عرفت أن الإسلام هو دين الفطرة، وأنه هو الذي يحترم هذه العواطف.

ولذلك في نظام الغرب الآن البنت إذا بلغت ثماني عشرة سنة فعليها أن تغادر البيت وتبحث لها عن مأوى غير هذا البيت، ولو على حساب عرضها وشرفها، وليس هناك عرض ولا شرف يحافظ عليه، وكذلك الابن.

وعلى كلٍ فنشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام، ولذلك الذين يريدون أن يخرجوا بالمرأة عن المجتمع الإسلامي إلى المجتمع الكافر يريدون أن يقضوا على عواطف المرأة، وعلى أبسط الحقوق التي يتمتع بها حتى الحيوان، فالحيوان يتمكن من أن يعايش طفله مدة طويلة من الزمن، وتشعر بالعاطفة بين الحيوان وبين طفله وأنت تتابعهما بنظرك، أما المجتمعات الكافرة فإنها أسقط وأذل من الحيوان، ولذلك صدق الله عز وجل الذي يقول: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:١٧٩].