للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك الشرك بالله]

الشرط الرابع: قال تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥].

والشرك بالله عز وجل معناه صرف نوع من العبادة لغير الله.

أي: أن تصرف نوعاً من أنواع العبادة أياً كان هذا النوع رجاءً أو خوفاً، أو طاعةً أو استعانة، أو استغاثة أو دعاء أو ما أشبه ذلك فتعطيه مخلوقاً من المخلوقين لا يقدر على فعل شيء من ذلك، أو تصرف نوعاً من الخوف بحيث يصبح خوف البشر أكثر في قلبك من خوف الله عز وجل، قال تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:٤٤] وهذا النوع من الشرك ما زال موجوداً وكثيراً في قلوب كثير من الناس، ولربما يصل إلى الشرك الأكبر الذي يخلد صاحبه في نار جهنم، ولذلك الله تعالى لم يقل: لا يشركون بي.

وإنما قال: {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥] وكلمة (شيء) -كما يقول علماء اللغة- نكرة في سياق النفي، فتعم أي شيء من هذه الأشياء أياً كان هذا الشرك، وقد دخل النار رجل في ذباب، قيل له: قرِّب.

قال: وما أقرب؟ قيل: قرِّب ولو ذباباً.

فقرب ذباباً فدخل النار، فلا تعجب حينئذ من كلمة (شيئاً).

ولذلك فإن الشرك قد يخدع هذا الإنسان فلا يحيط به إلا من نور الله عز وجل بصيرته، والشرك أكبر طريق يخلد الناس في نار جهنم -نعوذ بالله-، فإنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، سواء أكان شرك الأحياء أم شرك الأموات.

ولربما يقول قائل: إن الشرك انتهى يوم فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فتساقطت الأصنام تحت أقدامه صلى الله عليه وسلم.

ولكننا نقول: رغم أن الأوثان قد كسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة يوم الفتح فإن الإحصائيات تقول: إن في العالم الإسلامي عشرين ألف ضريح تعبد من دون الله.

وأكبر نسبة وصلت إليها الأوثان في آخر أيام الشرك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وستون وثلاثمائة صنم تعبد من دون الله، وفي أيامنا -كما تقول الإحصائيات- عشرون ألف ضريح تعبد من دون الله، وهذه الإحصائية مضى عليها سنوات، فتأكد بأنها زادت زيادة واضحة، وإن من يخرج من حدود بلاد الحرمين التي حماها الله عز وجل وحرسها بدعوة سلفية مباركة يرى الشرك الأكبر على أشده في جل العالم الإسلامي، ينحني البشر لغير الله، ويركعون ويسجدون لقبور وأضرحة، ويطوفون حولها، يذرفون من الدموع أكثر مما يذرفه المؤمنون حول الكعبة المشرفة، وطواف ليلاً ونهاراً، وذبح ونذر لغير الله عز وجل، ولكن ربما يقول قائل: إن هذه المعتقدات ربما تفنى في عصر العلم.

لكنها ما زالت باقية، ولربما كان هناك مصالح تفرض على كثير من طغاة البشر أن يحتفظوا بهذه الأوثان التي تعبد من دون الله؛ لأنها تخدر الشعوب، ولأنها تجمد العقول، ولأنها لا توجد عباداً يطالبون بالإسلام الحق، ولذلك فإنها تجد رواجاً وتشجيعاً في كثير من العالم الإسلامي.

ولكن تعال -يا أخي- إلى شرك الأحياء، كم يعبد من الأحياء من دون الله عز وجل؟! كم من المقننين والمشرعين وأصحاب الأهواء وصانعي الأنظمة من يعبد من دون الله عز وجل في أيامنا الحاضرة! ولذلك يندر أن تجد في العالم الإسلامي بقعة تطبق شرع الله، وإنما تطبق قوانين البشر وآراء الرجال، ولذلك فإن هذا نوع من الشرك، ولما قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نزل قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١] قال عدي: يا رسول الله! والله ما كنا نعبدهم.

قال: ()، ولذلك فإن أي أمة تحكم قوانين البشر وآراء الرجال، وتحني رأسها وتخضع لهذه الأنظمة من دون شرع الله عز وجل فهي أمة لها نصيب من الشرك، ولذلك الله تعالى اعتبر هذه الأمة تزعم الإيمان زعماً، وليس عندها إيمان حقيقي ما دامت تخضع لغير شرع الله عز وجل، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦٠ - ٦١] يريدون هذه القوانين.

أما صانعوا هذه القوانين والذين يفرضونها على المجتمعات الإسلامية ويقسرون المجتمعات الإسلامية عليها قسراً فهم أصحاب الردة الواضحة، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] ولذلك لا تعجب حينما ترى الذين يتهمون شرع الله بالتخلف والوحشية والرجعية والشدة والقسوة، لا تعجب حينما تراهم يعرضون عن شرع الله، وحينما يرون عروشهم تهتز من تحتهم فيقتلون الآلاف بل عشرات الآلاف من البشر، ولربما يقتلون الملايين كما فعلت الشيوعية في أفغانستان، لا تعجب حينما ينتقدون القصاص أو قتل النفس التي يزعمون أن قتلها قوداً وحشية ويغتاظون من إقامة حدود الله سبحانه وتعالى بشرعية القصاص الذي فيه حياة الأمم، لا تعجب حينما تراهم يقتلون آلاف البشر من أجل مصالحهم، فإن الله عز وجل يقول: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور:٤٨ - ٥٠] وهذا هو الواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي إلا ما شاء الله.

إذاً الشرك ليس معناه فقط الركوع والسجود لصنم من الأصنام، وإن كان هذا قد ملأ سمع الدنيا وبصرها، لكن شرك الأحياء، والخوف من غير الله عز وجل، والخضوع لغير الله سبحان وتعالى، والرجوع من منتصف الطريق خوفاً من البشر يعتبر نوعاً من الشرك الذي هو من أخطر أنواع الشرك بالله سبحانه وتعالى، ولذلك الله تعالى يقول عن الشرط الرابع: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥].