[وجوب الزكاة وفرضيتها]
الحمد لله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وكل شيء عنده بمقدار، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبتلي الناس بالفقر كما يبتليهم بالمال، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦٧ - ٢٦٨].
أيها الإخوان! بني الإسلام على خمس، ومن أبرز أسسه وأهم دعائمه: الزكاة، التي هي رأس العبادات المالية، والتي تكرها مقرون بالشرك في قول الله سبحانه وتعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:٦ - ٧].
فالزكاة ركن من أركان الإسلام، من تركها جحوداً لها فقد كفر، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:١١]، وقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:٥].
وقد شرح الله صدر أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقتال مانعي الزكاة وقال: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقاً -أو عقالاً- كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه).
ومن هنا أجمع المسلمون عامة والصحابة خاصة على قتال كل من منع الزكاة جاحداً لوجوبها، أما من منعها بخلاً وتهاوناً فقد ركب إثماً عظيماً، وعرض نفسه لسخط الله عز وجل.
ولقد توعد الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه} [التوبة:٣٤]، والمراد بالكنز هنا: منع الحقوق الواجبة من زكاة وغيرها، توعدهم الله عز وجل بنار جهنم يوم القيامة، فقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٤ - ٣٥].
وفي هذا المعنى يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى مصيره إما إلى الجنة أو إلى النار).
ويقول عليه الصلاة والسلام: (من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مُثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، فيأخذ بلهزمتيه -يعني: شدقيه- فيطوّقه، فيقول: أنا كنزك أنا مالك، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:١٨٠]).