للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موسى عليه السلام يتسلم رعاية الغنم مقابل الزواج]

ثم بعد ذلك تبدأ الأجرة، ويعمل العقد بين موسى عليه الصلاة والسلام ورجل مدين على ثمان سنين أو عشر سنين، ويكون الخيار فيه لموسى عليه الصلاة والسلام، ويكون المهر هو هذه الأجرة، وهذا دليل على أن المهر واجب من واجبات النكاح، وأن المرأة في الأديان عزيزة كريمة، وأن المرأة لا تسقط في مهرها إلا حينما تسقط أخلاقها، وهذان مثلان: المثل الأول: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:٢٧]، ثمان سنين، انظر إلى كثرة المهر؛ لأنها امرأة كريمة تستحق هذا المبلغ، ثم تعال إلى بلادنا هنا، كثير من الناس يتكلم عن غلاء المهور، صحيح هناك غلاء في المهور، لكن ما هو السر في غلاء المهور؟ لأن هذه المرأة في بلادنا مصونة، لكن اذهب إلى بريطانيا تجد المرأة بنصف جنيه إسترليني، يتزوج الإنسان امرأة، ولربما هي تبذل هذا المهر إذا عجز الزوج عنه؛ لأنها امرأة ساقطة, ونحن حينما نقول هذا الكلام لا نريد أن نشجع غلاء المهور، فإن غلاء المهور يعتبر خللاً في نظام المجتمع، ويؤدي إلى عزوبة وعنوسة في المجتمع، لكن نقول: وجود المهور مرتفعة في بلد ما يدل على كرامة المرأة وعزتها, ولذلك بمقدار ما تنحدر المرأة إلى الحضيض ينحدر معها المهر؛ لأنها تصبح امرأة لا قيمة لها ولا وزن, وبمقدار ما تتمسك هذه المرأة بدينها وبشرفها يكون نصيبها من المهر أكثر، وقد ضربت مثلين: المثل الأول: في البلاد التي سقطت فيها المرأة حتى أصبح فيها نوادي للعراة -نعوذ بالله- وأصبح زواج الذكر بالذكر في مثل بريطانيا يبيحه القانون والنظام بعقد شرعي نظامي كما يقولون، وفي البلاد التي تحافظ محافظة بمقدار ما تحافظ يكون نصيبها من غلاء هذه المهور, ولذلك قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص:٢٧].

وهنا لابد أن ينتبه إخواننا أصحاب المؤسسات المعمارية والتجارية, فإننا في كل لحظة توجه إلينا أسئلة من عمال مساكين جاءوا من بلاد بعيدة هم مسلمون وأتقياء، جاءوا ليعفوا أنفسهم، وليرتزقوا الله عز وجل في هذه البلد بلد الخيرات والنعيم، وبلد الاستقامة, ومن أجل أن يحصلوا على لقمة العيش، من أجل أن يقيتوا شيوخاً وعجائز وأطفالاً وأرامل، ثم إذا بهم يفاجئون ببعض أصحاب المؤسسات في بلادنا يستغلون هذا العامل كل استغلال، ولربما يفرض عليه خمسين بالمائة من دخله مقابل أن يكفله, وربما يكون بالراتب ولا يعطيه الراتب، كثير من الشكاوى تصل إلينا من العمال ضد أصحاب المؤسسات، خصوصاً الذين يأخذون العمال ويتركونهم, يجلس في بيته نائماً ويستغل هذه الفرصة، وهي أن الدولة أعطته فرصة لأن يكون كفيلاً لهؤلاء الفقراء، ثم يأخذ أكثر ما يكسبون، ثم يرجعون إلى بلادهم فقراء، حتى إن طائفة منهم يأتون يطلبون أجرة العودة إلى بلادهم! هذا ليس من صفات المؤمنين، ومنهج المرسلين خلاف ذلك, والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة)، من هم الذين يخاصمهم الله عز وجل؟ ومن يستطيع أن يخاصم الله؟! ومنهم: (رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجره)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، بأي شيء يا أخي! تستحل مال مسكين كان يكدح ليله ونهاره من أجل أن يحصل على لقمة العيش ليقيت نفسه وأطفاله وذريته وأهله، وأنت الرجل الذي أنعم الله عليك في بلاد الخيرات، وتنام في بيتك لتأخذ النصف وربما الثلثين من دخل هذا المسكين، وربما يكون مبلغاً مقطوعاً قد لا يحصل العامل على هذا المبلغ، وقد يحصل عليه فقط دون أن يكون له وافر كسب؟! فهنا قال لموسى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص:٢٧]، هذا هو النظام الذي يجب أن يسلكه الناس في معاملة العمال والمساكين.

هذه من صفات المستأجر مع الأجير: (وما أريد أن أشق عليك)، ثم يقول المستأجر: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:٢٧] , فالمسألة ليست أمراً فقط يقوم به المستأجر، وإنما حتى الأجير يجب أن يكون من الصالحين, ويجب أن يؤدي الدور الذي من أجله استؤجر ويؤدي العمل؛ لأنه حينما يؤدي العمل يكون قد أبرأ ذمته أمام الله عز وجل، وأخذ رزقاً حلالاً، وهي هذه الأجرة التي يأخذها مقابل هذا العمل، فالأول لا يشق على الأجير، والأجير يجب أن يكون من الصالحين أي: يؤدي العمل كما يرضي الله عز وجل.