للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استمرار الصراع بين الحق والباطل سنة كونية]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله ومن دعا بدعوته ونصح لأمته إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الإخوة! قبل أن نتحدث عن المعاصي وآثارها في الأمم وما تسببه من غضب الله عز وجل وأليم عقابه نقول: منذ أن خلق الله البشرية والصراع قائم وموجود بين الخير والشر، كما قال عز وجل: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:١٢٣]، وهذا الصراع سيبقى ما بقيت الحياة الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا تزال طائفة على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله)، وفي هذا الصراع جند لله وجند للشيطان، والله تعالى أمرنا بأن نقاتل أولياء الشيطان فقال لنا: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:٧٦]، وفي غضون هذا الصراع يظهر الحق أحياناً، ويختفي بعض الأحيان، ولكنها سنة الله القائل: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان:٢٠]، أي: هل تتحملون هذه الفتنة؟ وهذا الصراع يتأثر بنوعية الذين يتحملون المسئولية من قبل الله عز وجل، والذين يقومون بالدور الذي كلفهم الله به في هذه الحياة؛ ليكونوا من أولياء الله وجنده.

ثم جرت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يفتن هؤلاء الناس بعضهم ببعض، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب، فوقف من وقف في وجه هذه الدعوة، فأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر، إلا أن سنة الله تعالى في هذه الأمة ألا يعاقبها دفعة واحدة، من أجل أن تنقل الرسالة جيلاً بعد جيل وأمة إثر أمة؛ لأنها آخر أمة؛ ولأن رسالتها آخر الرسالات.

ومن هذا المنطلق فإن سنة الله تعالى في هذه الأمة ألا يهلكها بسنة عامة، ولكن ذلك لا يعني أن هذه الأمة حينما تتمادى في غيها وضلالها أنها لا تؤاخذ، ولكنها لا تهلك جميعاً، وهذا الذي أقوله عليه أدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكم جرى على هذه الأرض من الأمم التي عصت الله سبحانه وتعالى فعاقبها! وكم من حضارة سادت ثم بادت حينما انحرفت عن المنهج الصحيح، وكم من أمة أُخذت أخذ عزيز مقتدر! كل ذلك بسبب سيئاتها، وهذه دروس لنا، والله تعالى قد قال لنا نحن أمة الإسلام: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} [الروم:٤٢]، وقال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج:٤٦]، كل ذلك يجب أن نفهمه، حتى لا نقع في سخط الله عز وجل، وهذه الأمة يحذرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً أنواعاً من المعاصي تسبب عقوبات كاسحة مهلكة تستأصل أمماً كثيرة، ولكن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة.