[الصنف التاسع والعاشر: من يصبر على الفتنة في الدين ومن لا يصبر]
النوع التاسع والعاشر من أنواع هؤلاء البشر مذكور في سورة العنكبوت، يقول الله عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:١٠].
هذه الآيات من أول سورة العنكبوت لها قصة عجيبة جداً: هي أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنق الإسلام، ولكن أمه كانت تقول له: يا بني! أتترك دين آبائك وأجدادك؟! والله لا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بدين محمد! -نعوذ بالله- وهذه أكبر فتنة تأتيه من أقرب الناس إليه، فينظر إلى أمه ونفسها تتقعقع من الجوع والعطش، ويرى الموت ينتزعها، أيأخذ بعاطفته أم بعقله؟ إن أخذ بالعاطفة ترك دينه، وإن أخذ بالعقل نازعته عاطفته، فماذا يعمل؟ بقي فترة من الزمن يراودها علها أن تأكل وتشرب، ولكن تغلب العقل على العاطفة؛ لأن هؤلاء رباهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: اسمعي يا أماه! والله لو كانت لك مائة نفس خرجت كل واحدة بعد الأخرى ما تركت ديني، فإن شئت كلي وإن شئت فلا تأكلي! فماذا فعلت؟ أكلت وبقيت، وأنزل الله عز وجل فيه صدر سورة العنكبوت:{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[العنكبوت:١ - ٣]، يعني أن الفتنة ليست خاصة بهذه الأمة فقط، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:٣ - ٦]، ثم قال الله تعالى بعد ذلك:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}[العنكبوت:٨]، ثم قال:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ}[العنكبوت:١٠]، كما أوذي هذا الرجل الصحابي الجليل في أمه {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت:١٠].
وهذه الفتنة في أيامنا الحاضرة أصلب وأقسى وأعنت، فيفتن الرجل اليوم في دينه، ويؤذى في نفسه وأهله.