ثم قال سبحانه:{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:٥٦]، وفي هذا إشارة إلى أول الآيات، فأول الآيات تقول:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم}[المائدة:٥٢]، أي: يشعر بعض المسلمين بالضعف في بعض الأحيان، لاسيما إذا أهملوا الأمر ولم يستعدوا لقتال العدو، فيربطون أنفسهم بالكافرين خوفاً من عدو، فالله تعالى هنا يبين في هذه الآية أن الغلبة إنما هي للمؤمنين، ولو كان العدد قليلاً، ولو كان العدو كثيراً، وإن كان الأصل أنه يجب الاستعداد للعدو، كما قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:٦٠]، لكن حينما لا يكون هذا التكافؤ، فيجب على الأمة الإسلامية مهما قل عددها وعدتها، ومهما شعرت بالضعف يجب عليها أن تشعر بالقوة؛ لأنها تستمد القوة من الله عز وجل؛ ولأن قلوب الخلائق ونواصي الخلائق في قبضة الله سبحانه وتعالى.
إذاً: لا يجوز للمسلم أن يخاف من عدوه أبداً؛ فإن الله تعالى يقول:(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ)، أي: جماعة الله، (هُمُ الْغَالِبُونَ)، أي: أن الذين يرتبطون بالله عز وجل مباشرة، ويعتمدون على الله في كل أمورهم هم الغالبون، ولو كانوا قلة في العدد أو في العتاد، فالله تعالى يقول:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:٢٤٩]، ويقول:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن}[الأنفال:٦٥]، فالأمة الإسلامية لا تقاس بعدوها من الناحية العَددية أو العُددية، وإنما تقاس بعدوها من ناحية الإيمان وتطبيق هذا الدين أو عدم تطبيقه، فبمقدار ما تطبق من دين الله عز وجل يكون نصيبها من النصر، فجند الله عز وجل هم الغالبون.