هناك نوع آخر يعرف أنه يسيء صنعاً، ولا زال يراكم سيئات خلف سيئات، ومظالم وطغياناً وكفراً وترك واجبات، وكلما عن في نفسه معصية من المعاصي فعلها، حتى يصبح كما وصفه الله عز وجل بقوله:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}[النور:٤٠].
لو أن واحداً منا نزل في بحر عميق لجي -كثير الماء- ثم كانت هناك أمواج تضرب الماء فتحركه لتخفي ضوء الشمس، وكان فوق هذه الأمواج أمواج ثانية تتضارب فتخفي ضوء الشمس، ثم فوق ذلك سحاب يحول بين الشمس وبين البحر؛ فإن هذا الإنسان في قعر البحر لا يستطيع أن ينظر إلى أقرب الأعضاء إليه وهي يده إذا أخرج يده لم يكد يراها فضلاً عن رؤيتها.
هذا المثل ضربه الله عز وجل لأصحاب الكبائر والسيئات والكفر والطغيان، الذين يجعلون حياتهم من أولها إلى آخرها سيئات تتعاقب، ومعاصي وآثاماً وإجراماً يركب بعضها على بعض حتى يصبح هذا القلب مظلماً، فيكون خلاف القلب الذي تربى في المسجد، وخلاف القلب الذي عرف الله عز وجل حق المعرفة، فإذا كان قلب ذلك الإنسان يشبه سراجاً في كوة غير نافذة في الجدار، وعلى السراج زجاجة، والزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد مصباحها من زيتونة ليست بشرقية ولا غربية؛ فيكون القلب مضيئاً، أما ذلك القلب فكأنه يعيش في قعر بحر عميق، فيه أمواج، وفيه ظلمات، وفوق هذا سحب تحجب عنه الشمس، فالفرق بعيد بين هؤلاء وأولئك! أولئك أهل المساجد المؤمنون الصالحون الأتقياء، وهؤلاء الكفرة الفجرة الذين يجدون حسابهم عند الله عز وجل.