وكان موسى عليه الصلاة والسلام يتصف بصفتين هما صفتا العامل الناجح, فعلم رجل مدين -وأنا أقول: رجل مدين؛ لأن المفسرين اختلفوا هل هو شعيب أو غيره؟ فنريد أن نخرج من الخلاف بهذا الاسم- علم من خلال ابنته التي جاءت به أنه رجل شريف في خلقه وشرفه، وأنه رجل قوي في جسمه ودينه أيضاً.
إذاً: هو يستحق أن يكون عاملاً عند رجل مدين، أما بالنسبة لشرفه وأمانته وعفته فيقول المفسرون: كانت الفتاة تسير أمامه تدله على الطريق، فصار الهواء يرفع ثوبها؛ فخشي أن يرى شيئاً من جسدها، فقال: تسيرين ورائي وأنا أكون في الأمام، فأصبح رجلاً شريفاً يصلح لهذا الأمر.
أما بالنسبة للقوة فهو الذي استطاع أن يدفع الناس كلهم رعاة الغنم من أجل أن يسقي غنم رجل مدين، ولذلك مدحه الله تعالى بالصفتين:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:٢٦]، إذاً: القوة والأمانة هما الصفتان اللائقتان لكل أجير، أياً كان هذا الأجير، سواء كان عاملاً أو غيره، فيجب أن نختار القوي الأمين، إذاً: ليعلم الذين يأتون بالكفار إلى بلاد المسلمين، ويعتبرون أن عندهم من الأمانة ما ليس عند المسلمين أنهم خاطئون، وأنهم قد تعرضوا لغضب الله عز وجل؛ لأن هذا يتنافى مع الشرط الذي اشترطه الله عز وجل لمن يتولى أمراً من الأمور أياً كان هذا الأمر، ولو كان حرفة، ولو كان حراسة، ولو كان خدمة أياً كان، فكيف إذا كان أمراً مهماً؟ وكذلك بالنسبة لمن يتولى أمراً من أمور المسلمين أياً كان هذا الأمر، سواء كان رئيساً للدولة، أو أصغر جندي من جنود الدولة، أو أي مسئول، وزيراً كان أو أميراً، يجب أن يتصف بهاتين الصفتين: القوة والأمانة، ويجب أن تكون هذه القوة ليست خاصة بالقوة الجسمية، وإنما أيضاً في القوة المعنوية والعقلية وقوة الإرادة، وكذلك الأمانة والهدى والتقى والاستقامة.
وهنا نقول: إن أبرز صفتين من صفات من يتولى أمراً من الأمور أياً كان هذا الأمر: أن يكون قوياً، وأن يكون أميناً, أما إذا كان ضعيف الشخصية, فماذا تستفيد الأمة من الرجل الصالح إذا كان ضعيف الشخصية؟ يغلب على أمره، لا يستطيع أن يحل مشكلة من مشاكل الناس، وماذا يستفيد الناس من الرجل الخائن الذي فقد الأمانة حينما يتولى أمراً من أمور المسلمين؟! ولذلك نشكو إلى الله عز وجل عدم توفر هذين الشرطين في كثير ممن يتولى أمور المسلمين في أيامنا الحاضرة، إما أن يكون قوياً، لكن قوته إنما تكون تسلطاً وجبروتاً ليذل من أعز الله أو ليعز من أذل الله، وإما أن يكون ضعيفاً لكنه ذو أمانة، ونحن لا نستفيد من أمانته ما دامت هذه الأمانة تتسم بالضعف, فالصفتان لا بد من أن تشترك كل واحدة منهما مع الأخرى؛ حتى يكون من يتولى أمر المسلمين قوياً أميناً.
ولذلك:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ}[القصص:٢٦]، أي: لرعاية الغنم؛ لأننا نحن نساء، لا نريد أن نخرج كل يوم من الصباح إلى المساء نرعى الغنم، نحن نساء يجب أن نؤدي الدور المنوط في أعناقنا داخل البيت؛ لنقوم بإعداد البيت وتربية الأطفال والنشء، أما هذه الغنم فيجب أن يتولاها رجل، وهذا الرجل هو الذي يجب أن يتولى دائماً الأمور التي تكون خارج البيت، كما هي الفطرة البشرية التي فطر الله عز وجل الناس عليها, وهذا الرجل يتصف بصفتين مهمتين هما: القوة والأمانة: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:٢٦].
إذاً: لا بد أن يفهم الناس ما هي مواصفات وما هي شروط الأجير؟ ونقول: الأجير؛ فإن رئيس الدولة يعتبر أجيراً؛ وإن الجندي الصغير والخادم الصغير يعتبر أجيراً، وما بين ذلك يعتبر أجيراً للمسلمين يتولى أمر المسلمين، فلا بد أن تتوفر الأمانة والقوة، فإذا فقدت إحداهما لا تنفع الأخرى، وإذا فقدت الاثنتان فإن المصيبة تكون أشد وأعنف، ولذلك لا بد من القوة والأمانة، أما قوة بدون أمانة فإنها تحدث لنا السفاحين في الأرض والسفاكين للدماء، وأما أمانة بضعف فإنها تجرئ على الأمة الإسلامية أعداءها الذين يتربصون بها الدوائر، إذاً: لا بد من هاتين الصفتين: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:٢٦].