إن هذه الآيات والتي قبلها تتحدث عن الجرائم العظيمة التي من أجلها سلَّط الله تعالى المؤمنين على الكافرين، وتقدم لنا الجريمة الأولى من جرائمهم، وهي قوله تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠] وتلك الجريمة كانت هي الشرارة التي من أجلها كانت موقعة بدر، ومن أجلها سلط الله المؤمنين على الكافرين ونصرهم عليهم؛ لأنهم أخرجوا رسوله عليه السلام من مكة بغير حق، وطاردوه عند خروجه إلى المدينة.
فالله عز وجل يسلط على من يتجرأ على حدوده جنداً من جنوده وأولياء من أوليائه، ولربما يسلط على المسلمين فجرة كفرة بسبب بعدهم عن الله سبحانه وتعالى، لا عجب من ذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي:(من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني)، وإذا كان الله تعالى قد سلط المسلمين على المشركين الوثنيين في يوم بدر، فقد سلط على المسلمين في فترات كثيرة متقطعة من التاريخ أعداء أبعد منهم عن الله عز وجل، وقد يسلط الله تعالى على المسلمين المنحرفين كفرة بسبب ما كسبت أيديهم، فلله عز وجل جنود السماوات والأرض يسلط من يشاء على من يشاء.