[العدالة عند أبي بكر وعمر]
أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه: فهو الذي يستهل خلافته بقوله: (أما بعد فإني وليت عليكم ولست بخيركم)، وقد كان الخلفاء الراشدون يعتبرون ولاية أمر المسلمين تكليفاً لا تشريفاً، لا كما يعتبره كثيرٌ من ولاة المسلمين اليوم.
ويقول أبو بكر رضي الله عنه في خطبته: (القوي فيكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له إن شاء الله، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، هكذا يعلم ولاة أمر المسلمين كيف يتعاملون مع الله ومع الناس.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فقد أراد ذات يوم أن يقنن المهور لعل ذلك يكون حلاً للأزمة فقال ذات يومٍ وهو على المنبر: إن المهور باهظة فيجب أن تكون كذا وكذا فتقوم امرأة وتقول له: أخطأت يا عمر! إن الله تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} [النساء:٢٠]، فقال: أخطأ عمر وأصابت المرأة.
ويقول ذات يوم: إذا رأيتم مني اعوجاجاً فقوموني، فيقوم سلمان الفارسي ويهز سيفه وسط المسجد ويقول: يا عمر! والله لو رأينا منك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا هذه، فيقول: الحمد لله الذي جعل في قوم عمر من يقومه بسيفه لو اعوج.
لم يقل: خذوه إلى السجن، أو إلى التحقيق؛ لأنه يريد أن يحكم هذه الأمة بالعدل، ولذلك فليس غريباً أن ينام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويتوسد رداءه -وهو خليفة المسلمين- ليقول له شاهد عيان: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
وفي ذات يوم أسلم رجل من نصارى العرب في بلاد الشام يدعى جبلة بن الأيهم، وكان رجلاً مرموقاً في قومه، ففرح عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أسلم هذا الرجل القيادي العظيم، وأسلم معه خلقٌ كثير، وطلب جبلة بن الأيهم من عمر بن الخطاب أن يأذن له ليعتمر، مع أنه لم يكن الطريق إلى العمرة مقفلاً، لكنه يريد أن يكون له موكبٌ خاص، فأذن له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فذهب جبلة إلى مكة، وهو حديث عهدٍ بجاهلية، وبينما هو يطوف ويجر رداءه في المطاف، كان وراءه رجل من فقراء المسلمين من فزارة، فوطئ على رداء جبلة بن الأيهم دون أن يشعر، فسقط الرداء، فالتفت جبلة فلطم الفزاري حتى انهدم حاجبه، فذهب الفزاري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: يا أمير المؤمنين! هذا ما فعل بي جبلة بن الأيهم.
وكان في موكبٍ عظيم يطوفون حول الكعبة، فقال عمر: ائتوني بـ جبلة إن الدعوة إلى الإسلام لا تكون على حساب الميل والجور، وإنما: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩]، فجيء بـ جبلة ذليلاً أمام عمر، فقال له: يا جبلة! أأنت الذي هدمت حاجبه؟ قال: نعم.
إنه وطئ ردائي.
فقال الفزاري: والله ما علمت به يا أمير المؤمنين! فقال عمر: كتاب الله القصاص يا جبلة! يكسر حاجبك، فقال: كيف يا أمير المؤمنين؟! هو سوقة وأنا رجل من عظماء العرب، قال: ليس في ديننا سوقةٌ وعظيم، الكل في حكم الله سواء، فقال: إذاً أتنصر يا أمير المؤمنين! قال: لو تنصرت لقتلتك حد الردة.
قال: أعطني مهلة ثلاثة أيام، فأعطاه مهلة ثلاثة أيام، فهرب الرجل في ليلةٍ مظلمة ومن معه إلى ملك الروم وارتدوا عن الإسلام.
فلم يندم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ارتدوا عن الإسلام مقابل أن يقر قواعد العدل والإنصاف في الأمة الإسلامية.
وحينما اختلف ابن لـ عمرو بن العاص مع رجل من أقباط مصر، حينما سابقه فسبقه القبطي فضربه ابن عمرو بن العاص، فأرسل عمر إلى عمرو يقول له: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!)، وأمر أن يُوقف ابن الأمير ليضربه الرجل القبطي وإن كان على غير ملة الإسلام.