والله يا إخوان! من يسافر إلى أرض أفغانستان في أيامنا الحاضرة فسيرى شيئاً من هذه العجائب، سيرى شباباً في مستهل العمر، وقد كانوا أبناء ترف، ونشئوا في بيوت نعمة ورخاء، من هذه البلاد المباركة ومن غيرها، ويتسابقون هناك إلى الموت، وكأنهم عاشوا في شظف من العيش، وخشونة من الحياة، وما كأنهم أبناء نعمة ورخاء، وكان لتواجدهم هناك أثر في سقوط صنم الشيوعية، فقد كان أبناء المسلمين يتسابقون إلى الموت من كل بلاد العالم الإسلامي، وحتى من البلاد المدنية، ومن أصحاب الرخاء والنعمة، فوالله لو رأيتم ما رأيت لرأيتم أمراً عجباً، وليس بالعجب على هذا الدين، فإن الإسلام يصنع أمثال هؤلاء الرجال، ولو كانوا في مستهل الحياة.
نحن نريد من شبابنا أن ينتبه، فمنهم من لم ينتبه بعد، وأن يستيقظ، فمنهم من لم يزل نائماً، وأن يبدأ هذه الحياة بتوبة وإنابة وعمل وجد، لا سيما وأن المذاهب المنحرفة، والأفكار الضالة بدأت تتساقط اليوم أمام أقدام المسلمين، فهذا هو صنم الشيوعية المادية الملحدة -وهو أكبر صنم- قد هوى وتساقط، وقد كانت ترهب العالم الإسلامي في يوم من الأيام، وكانت تقض عليهم مضاجعهم، وأنا واثق بإذن الله، بل وأقسم -لأن الله عز وجل قد وعدنا بذلك، وهو لا يخلف الميعاد- أنّ كل هذه الأصنام، وكل هذه الأوثان، وكل هذه الملل، وكل هذه الأفكار المنحرفة سوف تهوى وتتساقط بإذن الله عز وجل أمام أقدام المسلمين؛ وذلك حينما يشعر شباب الأمة الإسلامية بالواجب الذي أناطه الله عز وجل بأعناقهم، وحينما لا يقتل الوقت في لعب الورق والأعمال التي تضيع العمر، بل فيما هو أخطر من ذلك فيما حرم الله عز وجل، ولذلك فأنا أدعو الشباب إلى أن يتربى في المسجد، فإن الله عز وجل قد أخبرنا أن شباب المسجد هم الرجال، وهم الذين تلتهب في عقولهم وفي قلوبهم أضواء الإيمان:{كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}[النور:٣٥]، ثم يقول الله تعالى بعد ذلك:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}[النور:٣٦]، فهذا هو متربى الرجال حقيقة، ولا أريد شباباً يتربى أمام الأفلام، ويرقب عقارب الساعة منتظراً لمواعيد الأفلام، ويبحث عن المسلسلات، ويبحث عن أشياء أخرى تعرفونها لا تحتاج إلى تعداد، بل أريد شباباً قلوبهم معلقة بالمسجد كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فتراه يرقب عقارب الساعة منتظراً مواعيد العبادة والوقوف بين يدي الله عز وجل.
ينبغي أن يكون الشباب على هذا المستوى، ويشعر بهذه المسئولية، ويقدر لها قدرها، ويقيم لها وزنها، ويأخذ من مرور السنين والأيام العظة والعبرة، وكلما مر عليه يوم من أيام الله عز وجل ازداد قرباً من الله عز وجل، فكل يوم مضى يقربه من الحياة الآخرة، مهما كان، وفي أي سن كان، قال الشاعر: والمرء يفرح بالأيام يقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل وقال الآخر: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان يعني: اعرف أن عمرك دقات قلب، ولو أردت أن تحسب دقات هذا القلب لوجدتها محدودة، وسوف تتوقف هذه الدقات في أي لحظة، وتنتهي الحياة، فالمسلم مطالب أن يستغل الفرصة، والله تعالى قد أخبرنا بالحكمة من خلق هذا الإنسان، فقال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦]، فجميع ما يزاوله الناس من أعمال في تعمير الحياة الدنيا أو كسب العيش، أو تحصيل أي أمر من الأمور، إنما هي وسيلة وليست بغاية، أما الغاية فهي العبادة.