[ذكر بعض أنواع الشرك]
إن الذين يذبحون الذبائح أمام القبور ولأرواح الأموات وينسون الخالق سبحانه وتعالى المتفرد بالوحدانية أشركوا بالله عز وجل، فأصبحوا حطباً لجهنم، وصاروا مخلدين في نار جهنم بنص القرآن: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة:٧٢].
وهذا نوع من الشرك لا يجوز أن نترك التحذير منه، وبمقدار ما نستطيع من قوة يجب أن نوقظ هؤلاء الذين ما زالت في قلوبهم جذوة الإيمان تلتهب، فما دفعهم إلى هذا العمل إلا روحانية في نفوسهم، لكنها روحانية غير مبنية على علم، بل هي تقوم على أساس الجهل، ومن هنا فهؤلاء المساكين يرهقون أنفسهم في شيء يشبه العبادة، لكن ذلك لم يخلصهم من عقاب الله عز وجل؛ لأن الطريق واضحة، ومثلهم كمثل الذين قال الله عز وجل فيهم: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩]، ومثلهم كمثل الذين قال الله عز وجل فيهم: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} [إبراهيم:١٨]، وقال: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].
ووالله العظيم إننا لا نُجدّ في عبادتنا كما يُجدّ هؤلاء، ولكن لما كانوا على غير بصيرة من أمرهم، وعلى غير حقيقة من منهجهم لم يغن ذلك عنهم من الله عز وجل شيئاً.
فهذا نوع مما يُعبد من دون الله، وهناك أنواع كثيرة، هناك أوثانٌ تعبد، وهناك زعماء يشرعون للناس ما لم يأذن به الله، ويقولون للناس: هذا حلال وهذا حرام.
ثم يتبعهم الناس على بصيرة أو على غير بصيرة، فيضل الناس الطريق وراء هؤلاء الزعماء الذين جاءوا بقوانين وأنظمة وأفكار ومذاهب وضعوها للبشر، ووضعوا كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فهذه أوثان تُعبد من دون، ولذلك لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١]، قال عدي بن حاتم: والله -يا رسول الله- ما عبدناهم.
قال: (أليسوا يحلون ما حرم الله فتطيعونهم؟! ويحرمون ما أحل الله فتطيعونهم؟! قال: بلى.
قال: فتلك عبادتكم لهم) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أيامنا الحاضرة يكاد أن يجمع أكثر العالم الإسلامي على تحكيم آراء البشر، ويضعون كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم.
وهذا نوع من الشرك الأكبر؛ فإن صاحبه إن اعتقد بأن هذه القوانين وهذا الأنظمة هي خير من القرآن والسنة أو تساويهما فهو كافر مرتد، وهو مخلد في نار جهنم.
وهناك عبادة أنواع من الزعماء بتقديم أوامرهم على أوامر الله عز وجل، ويخافون من البشر أكثر مما يخافون الله عز وجل، ولربما تفتي طائفة من علمائهم خلاف حكم الله عز وجل ابتغاء مرضات هؤلاء الزعماء، وهذا نوع من العبادة، وهذا نوع من الشرك، وأولئك نوع من الأوثان.
وهناك عبادة الدنيا وعبادة المادة تنتشر في كثير من الناس، فأحدهم يبيع دينه بعرض من الدنيا، يسمع أن مركزاً من مراكز الربا يعطيه شيئاً من المال أكثر ولو كان ذلك حراماً، ولو كان بنص القرآن أنه حرام، ولو أجمع علماء المسلمون على تحريم الربا، لكن حبه لهذه الشهوة أصبح يعمي بصره ويضله الطريق، وهذا على خطر، فإذا امتلأ قلبه بحب الدنيا وغفل عن الله عز وجل وعن الحياة الآخرة فقد يقع في قلبه نوع من هذا الشرك الذي نهى الله عز وجل عنه بقوله: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [الأنعام:١٥١].
وأيضاً هناك الوظيفة والمركز يُعبدان من دون الله عز وجل، ولربما يتنازل طائفة من الناس عن كل ثروة في الحياة من ثروات دينه، وعن كل مطلب نبيل من مطالب دينه في سبيل وظيفته أو في سبيل مركز يحصل عليه، وهذا أيضاً على خطر أن يدخل في شرك العبادة أو في شرك العمل، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الخميصة، تعيس عبد الخميلة) فعبد الخميصة هو الذي يعبدها ويحب من أجلها ويبغض من أجلها، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس).
وهناك من يعبد الهوى ويعبد الشيطان، ولذلك الله تعالى يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:٢٣]، ويقول الله عز وجل: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:٦٠] وعبادة الشيطان هي أن تطيعه فيما يأمرك به لتغفل عن أمر الله عز وجل في سبيل طاعتك للشيطان والهوى والشهوة.
وكل هذه آلهة ما زالت على قيد الوجود، ولربما ينمو جزء منها في كثير من العالم الإسلامي بسبب غفلة المسلمين عن دينهم، وبسبب إهمال كثير من علماء المسلمين في تبيين الحق والباطل لهؤلاء الناس حتى ضلوا الطريق من هذا الجانب.
أيها الأخ الكريم! إذاً نفهم من قول الله عز وجل: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أن كلمة (شيئاً) وراءها معانٍ عظيمة، فإذا فقدت آلهة كانت تعبد بالأمس، وحطمها الإسلام، وحينما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً حطمها بسيفه وقرأ قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء:٨١]، فإن في أيامنا الحاضرة آلهة لا يقل خطرها عن تلك الآلهة التي كانت تُعبد من دون الله عز وجل.
بل إن الذين بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعطون الولاء لهذه الآلهة مع الله عز وجل لا من دون الله، ويعطونها هذا الولاء في فترات الرخاء، أما في فترات الشدة فإن الله عز وجل يقول فيهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥]، أما هؤلاء ففي فترة الرخاء والشدة ما يزالون يعبدون هذه الآلهة، وما زالوا يعطونها الولاء من دون الله، لا مع الله عز وجل! فهذه هي الوصية الأولى من وصايا الله عز وجل في هذه الآيات، ولا أريد أن أطيل فيها أكثر من ذلك.