إذا صمم الرجل على طلاق امرأته برغبته هو لا برغبتها هي، وقد أعطاها من المال الشيء الكثير؛ فإنه يحرم عليه أن يأخذ منها فلساً أو قرشاً أو درهماً أو ديناراً، ما دام هو الذي كرهها ولم تكرهه هي، وهو الذي رغب في فراقها ولم ترغب هي في فراقه، وبذل لها ما بذل من المال فإن عليه أن يتأنى، فإذا عزم على ذلك؛ فإن عليه ألا يأخذ مما آتاها شيئاً، بل عليه أن يمتعها، والتمتيع: هو شيء من المال يعطى للمرأة المطلقة عند الطلاق إذا كان الرجل هو الذي كرهها، وهذا المال من أجل إرضائها وجبر خاطرها، ولذلك يقول الله تعالى عن هذا الأمر:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ}[النساء:٢٠]، والمراد بالزوج هنا: الزوجة، وكلمة (زوج) تطلق على الذكر والأنثى، فإذا عزم الإنسان على تطليق زوجته ليستبدلها بزوجة أخرى، أو لا يريد أن يستبدلها إنما يريد أن يطلقها، وإنما ذكر هذا على مجرى الغالب؛ لأن من يريد أن يطلق لا بد أن يتزوج غالباً غيرها، فسماه الله تعالى استبدالاً، أي: بحيث يطلق الأولى؛ لأنه يكرهها في دينها أو خلقها أو أي أمر من أمورها، فإذا أراد أن يستبدل زوجاً مكان زوج وقد أعطى السابقة قنطاراً، والقنطار: هو مبلغ ووزن كبير من الذهب، فلو أعطيتها المال العظيم فلا يجوز لك أن تأخذ من هذا المال شيئاً أبداً.
(وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ) أي: التي تريدون تطليقها، (قِنطَارًا) أي: مالاً عظيماً من الذهب، (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا)، أي: حرام عليكم أن تأخذوا منه شيئاً، ولذلك يتلاعب طائفة من الرجال بحقوق النساء، فيتمتع بالمرأة ما شاء أن يتمتع بها، حتى إذا أراد أن يفارقها ليأتي بزوجة جديدة ضيق على المسكينة السابقة من أجل أن تكرهه، من أجل أن تقدم له شيئاً من المال لتفتدي نفسها بهذا المال، فالله تعالى حرم هذا الأمر تحريماً عظيماً وقال:(فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا)، وهذا من المال المحرم الذي لا يحل للزوج ما دام هو الذي كره المرأة ولم تكرهه المرأة، أما إذا كرهته المرأة فله أن يطالبها بالمهر أو أكثر أو أقل، وأن يتمسك بها حتى تدفع ذلك، وخير له أن يعفو عن كل ما أعطاها؛ لأنه:(ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عز وجل بها عزاً)، كما جاء في الحديث.
(فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا)، حتى لو كان شيئاً قليلاً، فلو دفعت لها مائة ألف ريال، وأردت أن تأخذ ريالاً واحداً، فإن هذا الريال حرام عليك ما دمت أنت الذي عزفت عنها، وأنت الذي لم ترغب في البقاء معها.
ثم يعظم الله تعالى هذا الأمر ويقول:{أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء:٢٠] أي: هل تأخذونه؟! وهذا استفهام إنكاري لتعظيم هذا الأمر، والمراد بالبهتان: الظلم، والإثم معناه: الذنب، أي: أخذ هذا المال بعد هذا التمتع بهذه المرأة، وبعد الخلوة بها، أخذ هذا المهر أمره عظيم عند الله، وأخذه يعتبر بهتاناً عظيماً.