أيها الإخوان! وحينما نتأمل في أولئك القوم الذين وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أن تلك المواصفات كلها قد انطبقت في هؤلاء، فهم قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ولم يأتوا من الشرق أو من الغرب، وأعداء الإسلام قد مهدوا لهم السبيل، وسلموهم مقاليد الأمور، فأصبحوا يخدمونهم بكل طلاقة وبكل حرية، ويؤدون الدور الذي تعلموه على أيدي الكفار حينما عاشوا بينهم وتربوا على أيديهم، أو حينما أخذوهم إلى بلد هناك ليعيشوا بينهم، وليفرض عليهم نوع من الحياة؛ ليعودوا فيخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين، وكما قال الشاعر طرفة في معلقته: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند وحينما كان الإسلام يحاربه أعداؤه من الكفرة، فإن ذلك أمر واضح يدركه الناس عياناً، فيقيمون الحصون بينهم وبين أعدائهم، ولكن الأمر أخطر حينما يكاد للإسلام من أهله، ويحاول، أن تقطع شجرته بغصن من أغصانه، فيحاربوه بأحمد ومحمد وعبد الله من المحسوبين على الإسلام، فأصبح الأمر من الخطورة بمكان؛ لأنهم قوم من أبناء جلدتنا، فهم ينتسبون إلى العرب وينتسبون إلى الإسلام سواءً كان في الهوية أو في الاسم أو في الأصل والأمجاد، ولكن الإسلام منهم براء؛ لأنهم قد أعلنوا الحرب على الله وعلى دينه، فهم بالرغم من أنهم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، لكنهم (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).
أما كيف نستطيع أن نضع الوسام على هؤلاء لنكشفهم أمام الناس، فإن ذلك لا يحتاج إلى أمر عظيم، فما عليك إلا أن تطالع كثيراً من صحف العالم الإسلامي التي تصدر في البلاد الإسلامية، أو كثيراً من مؤلفاتهم ومجلاتهم، أو كثيراً من إعلامهم؛ وستجد أن هؤلاء الدعاة الذين هم من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، يبرزون أمام الناس عياناً فلا يحتاجون إلى وصف يوضحهم أكثر من ذلك الوصف، نعرفهم بسيماهم، ونعرفهم في لحن القول، ونعرفهم بنطقهم، ولربما نعرفهم بكفرهم وإلحادهم حينما يتسنى لهم في بعض الأحيان أو في بعض الأماكن، فقد يعلنوا كفرهم وإلحادهم، أو خروجهم على المبادئ الإسلامية، وعلى القيم الحسنة والأخلاق والفضائل، وكل ذلك لا يحتاج إلى دليل، فهو واقع مشاهد.
أيها الإخوان! إننا نقرأ كثيراً من صحف العالم الإسلامي مما يكثر انتشاره حتى في بلادنا هذه، فنشم رائحة هؤلاء، ونراهم بأمهات أعيننا في وضح النهار، وهم من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، ولكنهم:(دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).
فمرة يحاربون الحجاب، ويدعون أن الإسلام لم يفرض هذا الحجاب، وإنما هو من مخلفات القرون الوسطى!! ومرة يقولون: إن هذا التستر وهذا الحجاب تقوقع!! ومرة يقولون: إنه رجعية وتخلف!! ومرة يصفون الحدود والأحكام الشرعية بأنها وحشية وقسوة!! وهكذا لا يدعون جانباً من جوانب هذا الدين إلا ويصيبوه بسهم من سهامهم، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٢١]، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف:٨ - ٩].
وذلك يعني أن المسلمين كلهم محاربون بهذا الغزو، ولقد أصيب بهذا الداء كثير من أبناء المسلمين من ضعاف العقول، إما ممن لم نربهم التربية الصحيحة المكتملة، أو ممن سلمناهم لهؤلاء يوجهونهم كيف يريدون، فأصبح طائفة من هؤلاء يزمرون ويصفقون وراء هؤلاء القوم، وأصبحت الفتنة قد أصابتهم بشيء من ذلك.
والحديث عن هذا الموضوع واضح؛ لأنه واقع نشاهده ونقرؤه ونعايشه، فكم نرى ونقرأ في صحف تصدر في قلب البلاد الإسلامية وهي تحمل هذه المبادئ الخطيرة، وتحمل هذا السم الزعاف؟ كم نسمع ونقرأ ونشاهد ومع ذلك فإن المسلمين لم يتحرك منهم إلا النزر القليل!