يقول الله تعالى بعد ذلك:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ}[الأنفال:١٢]: فهذه أمة مؤمنة خرجت لهدف الجهاد في سبيل الله، لا تريد إلا أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، أمة خرجت تائبة إلى الله تعالى منيبة، تريد أن يظهر هذا الدين، وأن ينخفض جانب الكفر، أمة خرجت منيبة إلى الله عز وجل تتضرع في جوف الليل الآخر، لا تلهو، ولا تغني، ولا تلعب، ولا ترقص، ولا تأتي بمسرحيات قبل المعركة ولا بعد المعركة، ولكنها أمة تريد فقط أن ترتفع كفة الإسلام.
ثم بعد ذلك صدقوا مع الله عز وجل وعزموا على القتال ولو بعدد قليل، ووجد يقين في هذه القلوب على أن النصر يأتي من عند الله، ووجد أيضاً يقين على أن المقاييس المادية والعددية والكمية والكيفية لا أثر لها إذا أنزل الله عز وجل النصر، فهنا جاء النصر من عند الله تعالى، كما قال الله تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ}[الأنفال:١٢]، فالله مع الملائكة أيضاً، والملائكة مع المسلمين، وبهذا لا يمكن أن تكون هزيمة في مثل هذا الموقف أبداً.
إذاً: لابد أن يكون نصر؛ لأن الله تعالى مع هؤلاء المؤمنين، وقد أمر بأن تنزل الكتائب من الملائكة من أجل أن تطمئن المؤمنين، ثم أمر الله تعالى بالنصر فتحقق؛ لأن النصر لا يأتي إلا من عند الله، ولذلك قال الله تعالى:{أَنِّي مَعَكُمْ}[الأنفال:١٢]، حتى لا يفهم الناس أن الملائكة وحدها هي التي تقاتل، بل الله عز وجل من فوق سبع سموات يراقب هذا الموقف ويدبر هذا الكون، ولذا قال:{أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}[الأنفال:١٢]، يعني: النصر سيأتي، وإنما المسألة تثبيت فقط، فالتثبيت غير القتال، فالله تعالى ما أمرهم أن يقاتلوا، ولا أمر المسلمين أن يقاتلوا، بل الله تعالى حقق النصر؛ لأن المسلمين قد استعدوا لذلك، فالمسألة مسألة تثبيت، وليست مسألة قتال، مع أن القتال حصل بعد ذلك.
وقوله سبحانه:{فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}[الأنفال:١٢]، فمهما أظهروا من القوة والإرهاب لنا في أي وقت من الأوقات فإن الله تعالى يضع في قلوبهم الرعب وينزع من قلوبنا المهابة لهؤلاء، وحينئذ يتحقق النصر.
ولذلك فإن الرعب من الميزات التي أعطيت للرسول صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء من قبله، كما قال صلى الله عليه وسلم:(ونصرت بالرعب مسيرة شهر).