عاش موسى عليه السلام في تلك البيئة الظالمة الغاشمة التي هي بيئة مصر والتي كان يتسلط فيها فرعون والأقباط معه على المستضعفين من بني إسرائيل، ولكنه لم يقر هذا الظلم، بل سعى سعياً حثيثاً إلى التغيير وإصلاح مجتمعه، ومنهج المرسلين والمصلحين لا يبدأ بالإصلاح الديني فحسب، لكنه يبدأ في الحقيقة بالإصلاح المادي، فحينما يقوم المصلحون بإنقاذ مجتمعاتهم من أخطاء يقع فيها أقوامهم يقومون بإنقاذهم مما هم فيه من الذلة والمهانة، حينئذٍ يستطيعون أن يكسبوا الناس إلى صفهم قبل أن يتسلموا القيادة والريادة، وهذا هو المنهج الذي ربى الله عز وجل عليه موسى عليه الصلاة والسلام، فقد كان بنو إسرائيل يعيشون في مصر مستذلين مستضعفين، ولذلك انتصر موسى عليه السلام للإسرائيلي ليدفع عنه شر القبطي، يقول تعالى:{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}[القصص:١٦] ولاشك أن قتل النفس إثم، لكن حينما تكون هذه النفس آثمة فإنها تستحق القتل؛ لأن قتل المفسدين في الأرض يعتبر نوعاً من الإصلاح، والله تعالى يقول:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة:٢٥١] ويقول تعالى أيضاً: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:٤٠ - ٤١].
فقام موسى عليه السلام بإقرار العدل حتى تكون له يد عند القوم قبل أن يصل إلى المهمة الكبرى التي أعدها الله عز وجل له، فانتصر للحق من الباطل، وقضى على رجل الباطل المستذل لخلق الله المستعبد لهم في الأرض.