[من صفات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم التبرج]
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣]: تصوروا -يا إخوان- تبرج الجاهلية الأولى، حتى الجاهلية الثانية هي خير من الجاهلية الثالثة، وإن من يسير في بلاد الإسلام يرى أن في الجاهلية الثانية ما هو خير بالنسبة لحماية المرأة من الجاهلية الثالثة التي نعيشها اليوم، نعم في الجاهلية الأولى تفسخت المرأة حتى قال بعض المفسرين: إن المرأة وصلت في الجاهلية الأولى إلى أن تكشف عن كل جسدها فيتمتع زوجها بما تحت السرة ويتمتع أصدقاؤه بما فوق السرة، وهذا يوجد الآن في الجاهلية الثالثة في بلاد الكفر وفي البلاد التي انحلت عن القيم نهائياً.
وقد طافت المرأة في الجاهلية الأولى عارية حول البيت، وكانت تضع يدها على فرجها وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله فلما جاءت الجاهلية الثانية التي هي قبيل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم خاف الرجال من هذه النساء، فكان كل من ولدت له امرأته بنتاً يخاف أن تفسد كما فسدت المرأة في الجاهلية فكانوا كما قال الله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:٥٨]، يسود وجهه إذا قيل له: ولدت لك بنت، فإن كان عاقلاً تحملها على مضض، وإن كان جاهلاً أخذها في غيبة الناس وحفر لها حفرة ودفنها وهي حية، كما قال الله عز وجل: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:٥٩]، هذا حدث بهم لأن الجاهلية الأولى فسدت فيها المرأة فساداً ذريعاً، لكن رغم هذا الجرم العظيم الذي أنكره الله عز وجل فقال: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:٨ - ٩]، بالرغم من هذا الجرم العظيم الذي وصل إلى قول أحدهم: إياك واسم العامرية إنني أخشى عليها من فم المتكلم هذا البيت ما قيل في الجاهلية الثالثة، وإنما قيل في الجاهلية الثانية، قبيل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذكر اسم المرأة في مجلس، فإني أخاف عليها أن ينطق بها رجل ليس من محارمها.
لكن تعال إلى الجاهلية الثالثة التي انسلخت من الإسلام والعياذ بالله، ماذا حدث؟ حدث كل شيء، وجاءت قوانين وأنظمة تحمي الفاحشة، كلٌ أخذ بنصيب من هذا الفساد، وكانت هناك تمهيدات كالتمهيدات التي توجد في بلادنا اليوم، إعلام يأتي بصحف ومجلات وأفلام ومحرمات، ليعلم المرأة كيف تنحل، فلا تمضي عليها مدة من الزمن إلا وتنحل، حتى وصل الآن إلى وجود نواد للعراة في بلاد الكفر، وحتى وصل الاعتراف بزواج الذكر بالذكر في بعض البلاد.
ولما كان هذا الميول المنحرف تتطلبه أفئدة منحرفة جاءت القوانين تنحرف مع هذا الميول، ولذلك كلما هبط الإنسان درجة هبطت القوانين درجتين اثنتين؛ حتى إذا هبط الدرجة الثالثة تكون القوانين تخدم هذه الفكرة الهابطة، فالعراة اليوم على شواطئ البحار، وأظنه موجوداً حتى في بعض شواطئنا نعوذ بالله! لباس لا يكون إلا في فراش النوم، بل لربما يكون أخلع من فراش النوم.
إذاً: هذا الأمر خطير لا بد أن تكون له حلول وإلا فإن نقمة الله عز وجل أقرب إلى أحدنا من شراك نعله؛ لأن الله تعالى يغار على محارمه، ومنها هذا التبرج الشديد الذي ليس كتبرج الجاهلية الثانية وإنما كتبرج الجاهلية الأولى، ولذلك الله تعالى يقول: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣]، من أجل أن يعلمنا أن هناك جاهليتين: جاهلية تبرجت فيها المرأة، وجاهلية أصبحت كرد فعل للجاهلية الأولى.
إن جاهلية اليوم أعظم من جاهلية الأمس؛ فما هو موقف الأمة الإسلامية من هذا الأمر؟ أتريد أن تقلد فيها المرأة المسلمة المرأة الكافرة في كل حال من الأحوال؟! والتبرج مأخوذ من البرج، والبرج معناه: الشيء المرتفع، أو من البارجة، والبارجة هي السفينة الكبيرة ترى من بعيد، والتبرج معناه: إظهار الزينة لغير المحارم، والله تعالى قد بين من هم المحارم قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:٣١].
الشيء الذي نريد أن نقوله: هل هذا التبرج الذي أصاب الأمة الإسلامية فضلاً عن الأمة الكافرة، وصل إلى درجة الجاهلية الأولى؟! فقد وصل إلى كثير من ذلك في كثير من الأحيان! والله إنك لتسير في كثير من بلاد الإسلام حتى لا تكاد تفرق بين امرأة مسلمة وامرأة كافرة إلا إذا سألتها عن اسمها، وحتى إن هذا الفساد الذي مهد له في بلاد الإسلام مدة طويلة من الزمن قد وصل إلى هذا المستوى، ثياب ضيقة ثياب رقيقة ثياب شفافة إخراج الشعر إخراج الرأس إخراج النحر إخراج الرقبة إخراج الساقين إلخ، ما بقي شيء من هذه المرأة إلا السوءتان في كثير من بلاد الإسلام.
إذاً: هذا التبرج أمر محرم وخطير، ويؤدي بالأمة الإسلامية إلى الهاوية، فعلى الأمة الإسلامية أن ترعى هذا الأمر.