أولاً: تعتبر قصة موسى أكثر قصة تكررت في القرآن العظيم؛ لما فيها من العظة والعبرة، لاسيما في بني إسرائيل الذين طال عنادهم لموسى عليه الصلاة والسلام، واستمر مدة طويلة من الزمن إلى أن قضى الله عز وجل أمراً كان مفعولاً.
ثانياً: أن موسى عليه الصلاة والسلام عالج فرعون وجنوده أشد المعالجة، فلم يعرف التاريخ رجلاً أشد طغياناً منه؛ لأنه زعم الإلهية لنفسه، وأنكر إلهية الخالق سبحانه وتعالى.
وبالرغم من أن فرعون أنكر إلهية الخالق إلا أنه كان يؤمن بقرارة نفسه بإلهية الله عز وجل، وأنه هو ليس إلهاً، لكنه يريد أن يستعبد أمة، وهذا المنهج هو الذي يتكرر عبر التاريخ الطويل، فكل من أراد أن يستعبد أمة ويستذلها لابد من أن يبعدها عن الإيمان بالله عز وجل، كما فعلت الشيوعية التي سقطت في عصرنا الحاضر.
إذاً منهج الذين يريدون أن يذلوا الأمم هو أن يحولوا بينها وبين الله عز وجل، ولذلك فرعون -لعنه الله- كان يؤمن في قرارة نفسه بالله عز وجل، بدليل قوله تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:١٤]، فالله عز وجل فطر كل الناس على الإيمان به سبحانه وتعالى، ومعنى ذلك أن قول فرعون:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:٣٨] إنما هو تغطية للحقيقة، والدليل على ذلك أن فرعون صرح في آخر لحظة من لحظات حياته لما أيس من مهمته وفكرته الخاطئة، فقال حينما أدركه الغرق:{آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}[يونس:٩٠] ومع أن فرعون كان جباراً ومفسداً في الأرض إلا أن رحمة الله عز وجل قد تدرك من كان على مثل هذه الشاكلة، فقد أرسل الله عز وجل له رسولين اثنين موسى وهارون عليهما السلام، وأمرهما باللين بالرغم من قسوة هذا الجبار العنيد فقال:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:٤٤].
ثالثاً: أن موسى عليه الصلاة والسلام أعظم أنبياء بني إسرائيل، ومن أولي العزم الذين هم أفضل الأنبياء، وهم خمسة عليهم الصلاة والسلام، وشريعته وكتابه التوراة مرجع أنبياء بني إسرائيل بعده وعلمائهم، وله من القوة العظيمة في إقامة دين الله والدعوة إليه والغيرة العظيمة ما ليس لغيره.
رابعاً: أن بني إسرائيل أقرب الأمم إلى الإسلام، فلم يأت بعدهم إلا هذه الأمة، فأمرت هذه الأمة أن تأخذ منهم العظة والعبرة، سيما أن قصة بني إسرائيل تحتوي على الكثير من الدروس العظيمة، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقول لقومه ولنا:(لقد كان فيمن كان قبلكم)، والمراد بذلك بنو إسرائيل.
أما بالنسبة لقصة عيسى عليه السلام ولحياته ولمنهجه فقد كان تكملة لحياة بني إسرائيل؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام هو -أيضاً- بعث إلى بني إسرائيل، فآمن به من آمن، وسموا أنفسهم النصارى؛ لأنهم ناصروا عيسى عليه السلام، فتعتبر حياة عيسى تكملة لحياة موسى عليه الصلاة والسلام.