إنه لابد على المؤمن أن ينظر من يصاحب (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي).
احذر مصاحبة الأشقياء، فإن مصاحبتك لهم كالجلوس عند نافخ الكير، فلابد أن ينالك منه شيء من الأذى إما أن يحرق ثيابك، أو -على الأقل- تجد منه رائحةً خبيثة، وعليك بمرافقة الصالحين، وابحث لأولادك عن صحبة صالحة، فإن الجليس الصالح كبائع المسك، إما أن تبتاع منه، وإما أن يحذيك، وإما أن تجد منه -على الأقل- رائحة طيبة.
وأكثر من ضل عن الطريق إنما كان بسبب قرناء السوء، وجلساء الباطل، والبطانة الفاسدة التي تزين لهم السوء، وتبعدهم عن طاعة الله عز وجل، وقد يوقعون بين المؤمنين، ويؤججون بينهم العداوة.
يروى أن أحد خلفاء بني أمية كان جالساً في مجلسه وفي كبريائه، فمر عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وكان رجلاً صالحاً، وقد كان عند الخليفة جليس صالح وجليس فاسق، فقال الجليس الفاسق للخليفة: يا أمير المؤمنين! هل تعرف هذا؟ قال: لا.
قال هذا الذي يقول: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها فقال: ائتوني به، وأراد أن يفتك به.
فقال له الجليس الصالح: يا أمير المؤمنين! وهو الذي يقول أيضاً: لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا فقال: أطلقوه! إذاً: هذا هو الفرق بين الجليسين، ولذلك فإن على المرء المسلم أن لا يتخذ جليساً سيئاً، ولا يخالطه، بل ولا يجعله له سكرتيراً، ولا مدير مكتب، ولا بطانة؛ لأنه سوف يسخر أمامه بالمؤمنين، ويضحك منهم، ويتتبع هفواتهم، بل عليه أن يبحث عن الرجال الصالحين، الذين يدلونه على الخير، فإذا فعل خيراً شجعوه، وإذا نسي خيراً ذكروه، وإذا غفل نبهوه هكذا تكون البطانة الصالحة، وهكذا يكون الجلساء الصالحون.
إن المتحابين بجلال الله تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة، وهم بعد ذلك على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء، وهم الذين يعيشون حياةً سعيدة في هذه الحياة الدنيا حياة مشتملة على طاعة الله ومرضاته، خالية من معصية الله وما يغضبه.