إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قاصم الطغاة والمتجبرين، وناصر أوليائه، لا حول ولا قوة إلا به، ولا غالب إلا الله، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة! ما زلنا في سلسلة من نبأ المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وكان حديثنا في حلقة سابقة عن قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، والتي ابتدأت بطفل صغير يلقى في البئر، ويئس منه إخوانه، حتى يمكن الله عز وجل له في الأرض، وتنتهي تلك القصة بمغزاها الكبير:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٩٠].
أما حديثنا الآن ضمن سلسلة من نبأ المرسلين عليهم الصلاة والسلام، فهو قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع أكبر جبار عنيد وأكبر طاغية -إن صح التعبير- باستثناء طغاة يعيشون في عصرنا الحاضر، فهذا الطاغية أنكر الخالق سبحانه وتعالى، وادعى الألوهية والربوبية لنفسه، وذبح الأبناء، واستبقى النساء خشية على نفسه، ولكننا سوف نجد أنه ينتهي أجله وحكمه وسلطانه وطاغوته وكبرياؤه على يد طفل من الأطفال الذين ولدوا في هذه الفترة التي كان يقتل فيها الأبناء ويستبقي النساء، وذلك كله تحدٍ من الله عز وجل لهذا الطاغوت، ولكل طاغوت إلى يوم القيامة، حينما يريد أن يستذل خلق الله، أو يستبد في هذه الأرض، أو يعيث في الأرض فساداً.
إذاً: القصة التي معنا اليوم هي قصة بني إسرائيل بقيادة موسى عليه الصلاة والسلام، أمام الطاغوت المتجبر فرعون عليه لعنة الله، ومن سار على منهجه إلى يوم القيامة.
القصة تبدأ كما بدأت قصة يوسف عليه الصلاة والسلام طفل يولد ويرمى في النهر، ذاك يرمى في البئر وهذا يرمى في النهر، ثم يكون الأمر نهاية فرعون على يد موسى عليه الصلاة والسلام.
ومن هنا نعلم أن قصص الأنبياء تبدأ في بادئ الأمر بسيطة، لكن الله عز وجل لا بد أن يظهر أولياءه، ويزيل الطواغيت على يد أناس كانوا مغمورين في المجتمع، فيوسف عليه الصلاة والسلام ينهي الحكم في مصر، ويتولى هو حكم مصر، وقد خرج من البئر، أما موسى عليه الصلاة والسلام فيلقى رضيعاً في تابوت في نهر النيل، ثم بعد ذلك يسقط أكبر طغيان على وجه الأرض مرت عليه مدة طويلة من الزمن.
إذاً: هذه حكمة الله عز وجل، لا نستبعد النصر من الله عز وجل، ولو ضعفت البوادر والإرهاصات، فإن الله عز وجل غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إن قصة موسى تبدأ من قول الله تعالى:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}[القصص:٥]، وتنتهي بقوله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[الأعراف:١٣٧]، هذه النهاية.