للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلاقة بين الرجولة وتعلق القلب بالمسجد]

كيف يكون القلب معلقاً بالمساجد؟ إن هذا الرجل قد أحب المسجد وألفه حتى اختلط حب المسجد بدمه ولحمه وعظمه، فصار المسجد أحب إليه حتى من بيته، وصار إخوانه الذين يرتادون المساجد أحب إليه من أصدقائه، وأقرب إليه من أهله وذويه.

إن القلوب إذا تعلقت بالمساجد ازدادت إيماناً وهدىً وتقوى، وهناك في المساجد يتربى الرجال، لا في المسارح وأمام الأفلام والملهيات فالمساجد مصانع الرجال، ومن المساجد تنطلق وتنهض الأجيال، وإن المؤمنين لا تتعلق قلوبهم إلا بالمساجد، ولذلك يقول الله تعالى عن المساجد: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:٣٦ - ٣٧]، ليسوا ذكوراً فحسب، ولكنهم رجال؛ لأن كلمة (رجل) تحمل معنيين: الأول: ذكر، والثاني: رجل مكتمل الرجولة، ولذلك لا تأتي كلمة (رجال) في القرآن ولا في السنة إلا وتعني رجالاً عظاماً، قال الله تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ} [النور:٣٧]، وقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً} [الأنبياء:٧]، وهكذا كلما تتبعنا كلمة (رجال) وجدناها تحمل هذا المعنى، أي: أنهم اكتملت الرجولة عندهم.

ولذلك فإن أصحاب المساجد هم الرجال حقيقة، قال تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:٣٦ - ٣٧]، وقد جاءت هذه الآية بعد آية تتحدث عن نور الإيمان الذي يكون في القلب، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور:٣٥]، أي: مثل الإيمان الذي يقذفه الله في قلب المؤمن، وليس المعنى: أن النور اسم من أسماء الله؛ لأنه لو كان اسماً من أسماء الله لما جاز تشبيهه بغيره، {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥]، ثم يقول الله بعد ذلك: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:٣٦ - ٣٧].

قال المفسرون: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) متعلقة بقوله تعالى: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)، وكأن سائلاً سأل: أين يوجد هذا الإيمان الذي هو كالمشكاة، وهي الكوة غير النافذة، وفي هذه الكوة سراج، وهذا السراج عليه زجاجة، والكوة تعكس الضوء إلى الأمام، والزجاجة تزيد هذا الضوء، وهذا السراج يوقد من شجرة الزيتون التي تصيبها الشمس في وقت الشروق ووقت الغروب؟ هذا ضوء عجيب! فيقول الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:٣٦].

فإذا أردت -يا أخي- أن تبحث عن هذه القلوب النيرة المضيئة فلن تجدها في المسارح، ولا أمام الأفلام، ولا أمام اللهو والموسيقى، والمسرحيات والمسلسلات التي ابتلي بها كثير من المسلمين اليوم، وانتشرت في بيوت المسلمين انتشار النار في الهشيم، وحلت محل ذكر الله وتلاوة كتابه المبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إن هذه القلوب لم تترب في تلك الأماكن، وإنما تربت في المساجد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:٣٦]، أي: أن هذا الإيمان ولد وتربى ونشأ في هذه البيوت، ومن هنا يذكر الرسول عليه السلام من هؤلاء السبعة: (ورجل قلبه معلقٌ بالمساجد).