للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخذ العبرة من قصة المرأتين اللتين سقى لهما موسى.]

ولعلنا نستطيع أن نأخذ من قصة هاتين المرأتين: أن المرأة لا يجوز لها أن تزاحم الرجال؛ لأن القاعدة الاصطلاحية الشرعية أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، ولذلك يقول الله تعالى: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِم} [القصص:٢٣]، أي: في مكان بعيد، {امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:٢٣] تذودان الغنم، إذاً: هي لا تزاحم الرجال، لكن كيف خرجت هاتان المرأتان هذا المشوار الطويل من بيت شعيب -على رواية طائفة من المفسرين- أو من بيت آخر الذي هو صاحب مدين، على خلاف بين المفسرين؟ السر في ذلك أنها ضرورة، فأبوهما كما قالتا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣]، ولهذه الضرورة خرجت المرأة.

إذاً: نستطيع أن نقول من خلال هذه الآية: إن المرأة لا تخرج إلا للضرورة، سواء كان لرعي الغنم أو لقضاء حاجة؛ لأن المرأة يجب أن يقوم الرجال بكفاية شئونها وقضاء حاجاتها، لكن حينما تضطر إلى الخروج لتقضي حاجة من الحاجات، فإن عليها أن تكون في منأى بعيداً عن الرجال حتى لا تختلط بهم، هذه هي سنة الله تعالى في هذه الحياة، وهذه هي الطريقة المثلى التي يجب أن تسلكها المرأة؛ حتى لا تحدث فتنة في المجتمع، ولهذا قال: (من دونهم امرأتين تذودان) أي: تذودان الغنم بعيداً عن الرجال.

وعلى هذا نقول: إن المرأة إذا اضطرت إلى الخروج من بيتها لحاجة اضطرارية لا مناص منها، فإن عليها أن تكون في منأى عن الرجال، هذا هو حكم الله عز وجل، وهذا هو شرع الله تعالى للمرأة دائماً وأبداً في كل شرائع المرسلين عليهم الصلاة والسلام، أما في شريعة الغاب وفي شريعة المفسدين في الأرض فيقولون: لا، المرأة يجب أن تكون بجوار الرجل سواء بسواء، مجتمع معطل لا يتنفس إلا برئة واحدة! حتى في وقت فاض فيه عدد الرجال، وأصبح الرجال يعجز أحدهم عن الحصول على وظيفة، لا بد أن تكون المرأة تعمل، ولا بد أن تكون بجواره، ولا بد أن يكون هناك اختلاط، حتى لقد رأينا في دنيا الناس اليوم النساء تنافس الرجال على الوظيفة، لو دخلت مستشفى من المستشفيات مثلاً، وعملت إحصائية، أيهما أكثر الرجال أم النساء في مجال التمريض؟ لوجدت أن النساء أكثر بكثير من الرجال، حتى كأن الرجال فقدوا، فأصبحت المرأة هي التي تتولى خدمة الرجل، إضافة إلى خدمة المرأة، فهي التي تعطيه الحقن، وهي التي تناوله العلاج إلى غير ذلك، بالرغم من وجود رجال عاطلين في مجتمعات الأمة الإسلامية، وأعجب من هذا أن نجد النساء يعالجهن رجال، إذاً: المسألة ليست مسألة حاجة وضرورة، ومسألة إجبارية, المسألة مسألة انحراف أصاب هذه الأمة, وهذا الانحراف هو الذي سبب هذا الخلل الاجتماعي الذي أصاب أمتنا اليوم.

وعلى ذلك نقول: القاعدة أنه يجب أن يكون للرجال رجال، وللنساء نساء، سواء كان في باب العلاج، أو في التعليم، أو في أي أمر من الأمور، أما هذا الاختلاط المشين الذي يدعو إليه أعداء الإسلام فلا يجوز، وفي شرع من قبلنا بالرغم من أنها بنت نبي صالح تستطيع أن تحفظ نفسها، وتكون تربيتها أقوى وأجود، بالرغم من ذلك: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:٢٣]، فبقيتا بعيداً عن الرجال, إذاً: هذه هي القاعدة الشرعية التي تتكرر في كل شرائع الأمم إلى يوم القيامة، أن تكون المرأة بعيدة عن الرجال، لكن في شريعة المفسدين في الأرض من العلمانيين والمتمردين والكفرة والفجرة يقولون: لا، الرجل والمرأة شيء واحد، ما هذا التخوف؟ لماذا نخاف على المرأة من الرجل؟! أليس: النساء شقائق الرجال؟! لماذا لا تزاحم الرجال؟! تختلط معهم في مدرج الجامعة، وفي الفصول الدراسية، وفي مكاتب الأعمال وغيره، حتى في المهن والحرف التي لا تصلح للنساء، ونتأكد أنها لا تصلح إلا للرجال!! إذاً: ذاك هو شرع الله، وهذا هو شرع البشر الذين تنكبوا عن شرع الله عز وجل، فالمسألة -أيها الإخوة- خطيرة جداً؛ لأن هؤلاء تمردوا -أي: الذين يريدون أن يخلطوا بين الرجل والمرأة في كل أمر من الأمور أو في جل الأمور- تمردوا على شرع الله عز وجل في كل الشرائع السماوية، فضلاً عن شريعة الإسلام التي أولت هذا الجانب أمراً عظيماً من الاهتمام: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص:٢٣]، فكأن هذا شيء مسلم، أن المرأة لا تزاحم الرجال، ولذلك موسى عليه الصلاة والسلام ما سأل: لماذا لا تسقيان حتى يصدر الرعاء؟ لأن القاعدة متفق عليها، فهو يعلم عليه الصلاة والسلام -وهو قبل النبوة، قبل أن يكون نبياً- أن المرأة لا تخالط الرجال؛ لأن هذه فطرة بشرية، ولأن اختلاط المرأة بالرجال انحراف عن هذه الفطرة البشرية التي فطر الله عز وجل الناس عليها.

{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣]، هذا هو العذر الذي أبدته هاتان البنتان، حتى لا يستغرب موسى لماذا الناس كلهم رجال مع أغنامهم إلا هاتان البنتان امرأتان، فالعلة: ضرورة، {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣]، ثم ينتصر عليه الصلاة والسلام للحق {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلّ} [القصص:٢٤]، فأخذ نصيبهما بالقوة من الماء، حتى سقتا الغنم، فرجعت البنتان إلى أبيهما شعيب عليه الصلاة والسلام -على رواية- فاستغرب كيف رجعت البنتان مبكرتين في هذا اليوم؟! وكيف استطاعتا أن تسقيا مع زحام الرجال وبنتاه لم تجر العادة بأن يخالطن الرجال ويزاحمن الرجال؟! فأخبرتاه بالقصة، وأنه جاء رجل تظهر عليه سيماء الخير والصلاح والاستقامة والقوة أيضاً، فسقى لهما، أما موسى عليه الصلاة والسلام فـ {تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} [القصص:٢٤]، إلى ظل شجرة، وبدأ يتضرع بين يدي الله عز وجل لا يدري أين يذهب؟ ولا يدري من أين يأكل؟ ليس بيده طعام، وليس بيده مال يشتري طعاماً؛ لأنه هارب فار بدينه من أرض الظلم والطغيان.

{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤]، تضرع بين يدي الله عز وجل، والله عز وجل لا يضيع أجر المحسنين.

أما أبو البنتين فأرسل إحدى البنتين -وهذه ضرورة أخرى- لتأتي بهذا الرجل الذي سقى لهما: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:٢٥]، لتنتبه المرأة، (عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، فالحياء أعظم صفة للمرأة، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لكل أمة خلق، وخلق أمتي الحياء، وإن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً).

إذاً: ما الفرق بين وضع هذه البنت التي جاءت على استحياء وبين كثير من النساء اللواتي يملأن أسواق العالم الإسلامي دع عنك العالم الكافر؟! والله إنه في كثير من البلاد الإسلامية لا أحد يستطيع أن يفرق بين المرأة المسلمة والكافرة! الحياء فقد منذ زمن بعيد! لكن الذي حدث بعد فقد هذا الحياء فساد عريض؛ لأن الحياء الذي هو لباس هذه الأمة وكساء نساء هذه الأمة حينما فقد أصبح هناك عراء عجيب, فقد الحياء، وانتشر الزحام، ووصل الأمر إلى أن ترى نساء تنتسب إلى الإسلام على شواطئ البحار عارية أو شبه عارية تماماً! فأين الحياء الذي تتميز به الأمم؟! لا في هذه الأمة فحسب بل حتى في الأمم السابقة، والذي إذا فقد في أمة من الأمم تصبح هذه الأمة بعيدة عن رعاية الله عز وجل.