[الآثار المترتبة على انتشار الخمور وشربها]
يقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات والعلامات: (وشربت الخمور) فمن هذه الخصال الخمس عشرة شرب الخمور، والخمر ما خامر العقل وغطاه، والإنسان مطالب أن يواجه هذه الحياة مواجهة حقيقية بعقله، ومن أجل ذلك منح الله عز وجل هذا الإنسان العقل، ولذلك نجد أن العقل محترم، والخطاب دائماً يتوجه إلى العقل، يقول عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:٤] ويقول سبحانه: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [البقرة:٢٦٩] وأولو الألباب هم أصحاب العقول.
من هنا كان العقل هو مناط التفكير، وكان الإنسان أفضل مخلوقات الله عز وجل على الإطلاق بهذا العقل، فقد فضل الله بني آدم وكرمهم وحملهم في البر والبحر، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً.
لولا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان أي: لولا العقل لكان الأسد أفضل من الإنسان؛ لأن الأسد أقوى من الإنسان.
والفيل أكبر جسداً من الإنسان، لكن تجد هذا الإنسان بعقله يسيطر على هذه المخلوقات كلها بإرادة الله عز وجل، ولولا وجود العقل لما شرع التكليف، فالعقل هو مناط التكليف، وبهذا العقل يحاسب الإنسان وحده يوم القيامة دون هذه البهائم التي أصبحت في خدمة الإنسان.
ثم يأتي إنسان ليتعدى على هذا العقل بما حرم الله، وقد حرم الله عز وجل الخمر وكل ما خامر العقل وغطاه، والخمر من أكبر البلايا التي حلت بهذه الأمة، ولذلك تجد أن هذه الخمرة الخبيثة عالج القرآن أمرها علاجاً طويلاً، وتدرج في تحريمها تدرجاً مكيناً، حتى يقتلعها من قلوب الناس، وكان هذا التدرج في التحريم على أربع مراحل: الأولى: قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل:٦٧] هذه إشارة.
ثم جاءت المرحلة الثانية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:٢١٩].
ثم جاءت المرحلة الثالثة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣].
فحرمت الخمر في بعض المواقع وفي بعض الأوقات ليكون تمهيداً للحكم النهائي الكريم، وهي المرحلة الرابعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:٩٠ - ٩١] فقالوا: (انتهينا انتهينا) ولما نزلت الآية الأخيرة كانت كئوس الخمر عند شفاه بعض هؤلاء الناس فأراقوها اتباعاً وخضوعاً واستسلاماً لأمر الله عز وجل، وكان بعضهم قد شرب الخمر فأدخل أصبعه في فاه ليستقيء ما شربه، بل زيادة على ذلك سألوا عن مصير الذين ماتوا وفي أجوافهم شيء من الخمر قبل أن تحرم، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة:٩٣] يعني: قبل التحريم {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:٩٣].
أيها الأخ الكريم! هكذا تستجيب النفوس المؤمنة لأوامر الله فوراً، فلا تقدم على أمر الله عز وجل أي شهوة أو رغبة أو هوى، ثم يدور الفلك دورته ويعيد الزمان سيرته، وتخلف خلوف ينتشر فيها الخمر في أيامنا الحاضرة، ومن العجيب أن المروجين لها يحببونها إلى الناس ويسمونها مشروبات روحية.
فما معنى روحية؟ أي أنها تطرب الروح وتؤنسها.
ولذلك يقولون في بعض الأحيان: ممنوع تناول المشروبات الروحية.
قاتلها الله وقاتل من سماها مشروبات روحية، كيف تكون روحية؟! هي ضد الروح، وضد الخلق، وضد العقل، لكنها سميت مشروبات روحية كما سمي الغناء في أيامنا الحاضرة فناً، وكما سمي الربا اقتصاداً، وكما سمي النفاق مجاملة، وكما سمي الكذب دبلوماسية، وهكذا، أصبحت المحرمات تغير أسماؤها مع بقاء حقائقها؛ لأجل تلطيفها وتحبيبها إلى النفوس الخبيثة.
فليس الغناء فناً، وليس الربا اقتصاداً، وليست الخمر مشروبات روحية، لكن لا تعجب، فنحن اليوم نعيش فترة من آخر فترات التاريخ في حياة البشرية، فقد تنتشر فيها الخمر، ولربما توضع في ثلاجات البيوت، تراها النساء ويراها الأطفال، ليشب الطفل وهو يشك في تحريمها أو يعتبرها من أطيب الطيبات.
لا تعجب وأنت تسير في أرض الله الواسعة في جل العالم الإسلامي فترى اللافتات واللوحات تقول: هذا ضار.
أو ما أشبه ذلك، لا تعجب حينما ترى الخمر توزع على الركاب مجاناً على متن الهواء في كل طيران العالم إلا في طيران بلادنا -والحمد لله- أسأل الله أن يحفظها.
المشركون الأولون كانوا إذا ركبوا على سطح الماء دعوا الله مخلصين له الدين، أما هؤلاء فلا أظن إلا أن الإيمان بالله عز وجل قد فقد من قلوبهم، أو من قلوب كثير منهم، فيعصون الله على متن الهواء بين السماء والأرض، على بعد آلاف الأمتار من الأرض، فتشرب الخمور وتعرض المضيفة التي ليس لها شرط إلا أن تكون جميلة وقادرة على فتنة الناس، تسرح شعرها، وتلبس الملابس القصيرة إلى ما فوق الركبة، وتختلط بالركاب في الطائرات، وتوزع البسمات على الناس، ولربما لا يحصل ذلك إلا لركاب الدرجة الأولى الذين يدفعون أجرة أكثر، أما الدرجة السياحية فإنهم لا يستحقون مثل هذا، إلى غير ذلك.
أيها الأخ! إذا شربت الخمور بجميع أنواعها فقد آذن هذا العالم بخراب، صحيح أن المخدرات تجد مكافحة اليوم، وتستحق أن تكون لها مكافحة، حتى الأمم الكافرة والدول الكافرة تعاقب على تناول المخدرات، وهذا يجب أن يكون؛ لأنها تفسد الأمم والشعوب، وتجمد العقول، لكن يجب أن يجد الخمر مثل هذا المكافحة ومثل هذه المحاربة؛ لأن الخمر هي الأصل والمخدرات تقاس عليها قياساً، هذا هو الواقع.
وأقول لإخواني المسلمين: حاربوا الخمور واكشفوا مواقعها، وتعاونوا مع الدولة والمسئولين؛ لأنها ما انتشرت في أمة من الأمم إلا وسقطت من عين الله عز وجل، ولأن انتشار الخمور في بلاد المسلمين يؤدي إلى انهيارها وتدهورها ودمارها، نسأل الله العافية والسلامة.