للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هجرة موسى عليه السلام إلى مدين وقصته مع المرأتين]

هذه المرحلة تبدأ من الهجرة الطويلة من مصر إلى فلسطين، وبالرغم من أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يكن له علم بالطريق لكنه لجأ إلى الله تبارك وتعالى وقال: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:٢٢]، ويسير في طريق طويلة مهاجراً إلى الله عز وجل، ليس هروباً -وإن كان عنده شيء من الخوف من آل فرعون- لكنه بأمر من الله عز وجل يهاجر من مكان إلى مكان، ثم يسير في صحراء سيناء مدة من الزمن حتى يصل إلى بلاد مدين.

وهناك في بلاد مدين وجد قوماً كثيرين من الناس يسقون مواشيهم، ووجد سوى الجماعة الرعاة امرأتين تكفان غنمهما عن الماء، فقال موسى عليه السلام لهما: ما شأنكما تمنعان الغنم من ورود الماء؟ ولم لا تستقيان مع السقاة؟ قالتا: من عادتنا التأني حتى ينصرف الرعاة مع أغنامهم عن الماء، ولا طاقة لنا على مزاحمة الأقوياء، ولا نريد مخالطة الرجال، وأبونا رجل مسن لا يستطيع بضعفه أن يباشر سقاية الغنم، ولذلك اضطررنا إلى أن نستقي بأنفسنا.

قال تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣] هاتان المرأتان قيل: إنهما ابنتا شعيب عليه الصلاة والسلام.

وقيل غير ذلك، فقد أخبرتا كيف تخرج المرأة، وكيف تمارس عمل الرجال، إنها لا تفعل ذلك إلا عند الضرورة والحاجة، ومبرر خروج هاتين البنتين أن أباهما شيخ كبير، فلا يستطيع أن يرعى الغنم، ولم تخرج هاتان البنتان إلا في حشمة، فلم تفكرا في مزاحمة الرجال حينما خرجتا للضرورة الملحة، فقد كانتا بعيدتين عن مزاحمة الرجال، حتى إذا انتهى الرعاء وسقى كل الرجال غنمهم قامت بعد ذلك هاتان المرأتان بسقي الغنم، فلا تخرج المرأة إلا عند الحاجة والضرورة الملحة، وإذا خرجت فيجب أن تتقيد بقيود المرأة المؤمنة المسلمة، بحيث لا تزاحم الرجال ولا تقضي حاجتها إلا حينما ينتهي الرجال، لكن على هؤلاء الرجال أن يكون عندهم أنفة وأن تكون عندهم رجولة، بحيث يعطون هذه المرأة حقها حتى لا تتأخر كثيراً حينما تضطر أن لا تزاحم الرجال.

وقد خدع أعداء الإسلام المرأة اليوم، فزعموا أن الإسلام ظلم المرأة، وأن الإسلام يهضمها حقها، وأن المجتمع المحافظ -كمجتمعنا- مجتمع معطل النصف لا يتنفس إلا برئة واحدة، فهم ينطلقون في الظاهر مطالبين بحقوق المرأة وحريتها المهضومة كما يزعمون، ولكن هؤلاء القوم يريدون في الحقيقة أن يصطادوا المرأة في الماء العكر، ويريدون منها أن تفسد أخلاقها، وأن تسقط في الحضيض، ويريدون أن يدمروا هذه الأمم تدميراً، فكم اتهمت صحفنا اليوم الإسلام بالتأخر والتقوقع والتخلف، واتهمت الحجاب بأنه من مخلفات القرون البائدة، واعتبرت المجتمع الذي يصون كرامة المرأة ويحافظ على كيانها مجتمعاً متخلفاً يجب القضاء عليه في أقرب وقت ممكن.

فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الشعارات الزائفة التي تهدف إلى اغتيال عفة المرأة وشرفها، حتى وإن كان الذين يروجونها من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، ويحملون في جيوبهم الهوية الإسلامية.

لقد ظلمت المرأة في عصرنا الحاضر ظلماً لم يشهد له التاريخ مثيلاً، فحملوها الأعباء والتكاليف الشاقة التي لا يمكن أن يقوم بها إلا الرجال، وخلطوها مع الرجال على مدرجات الجامعة، وفي فصول الدراسة، وفي الأسواق، وداخل مكاتب الوظيفة، وفي كل أمر من الأمور.

فالمسألة هي مسألة مؤامرة على الإسلام، وفي ملة رجال مدين الذين لم يدركوا الإسلام لم تكن المرأة تختلط مع الرجال {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣]، إذاً ليس هذا هو منهج الإسلام فقط عند خروج المرأة للحاجة والضرورة الملحة، لكنه منهج الملل والأديان كلها منذ أن خلق الله البرية وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، أما الذين يطالبون بحقوق المرأة في عصرنا الحاضر ويزعمون أن لها حقوقاً مهضومة، وأنها معطلة، وأن حريتها قد تعدى عليها الرجال في ظل الإسلام فهم مجرمون يقول الله عز وجل عنهم: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧] فعلينا أن نحذر سموم هؤلاء، وأن لا نغتر بدعاياتهم الكاذبة وشعاراتهم الزائفة، فإن الأمر واضح، فالملل كلها تعتبر بقاء المرأة في بيتها -إلا عند الحاجة- صيانة لها، وإن الجاهليات منذ خلق الله البشرية إلى يوم القيامة هي التي تريد أن تتخذ من المرأة وسيلة للدمار والإفساد وإشاعة الفاحشة في أوساط المجتمعات المحافظة.