اعلم يا أخي المسلم! بصفة عامة، ويا أخي الشاب! بصفة خاصة: أن لك عمراً محدداً من عند الله عز وجل، وأنك تمر بأطوار: طفولة، ثم فتوة، ثم شيخوخة، ثم فناء، وحينما نقول: فناء -أي: موت- أعني: فناء له عودة، قال الله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}[الروم:٥٤] ولكن اعلموا أنّ أيام الفتوة وأيام الشباب هي أفضل وقت للعمل؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟).
فهذه أربعة أسئلة استعدوا لها: أين أمضينا العمر؟ وكيف أمضيناه؟ وقوة الشباب التي هي أحسن فرصة للعبادة ماذا فعلنا بها؟ هل استعملناها في معصية الله، وغرتنا الأماني وقلنا: يمكننا التوبة فيما بعد، أم استعملناها فيما يرضي الله؟ والله تعالى يقول:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:٢١]، ولذلك فقوة الشباب نسأل عنها، وكذلك نسأل عن الصحة والعافية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك) فقد تشغلك الأمراض، فتحاول أن تعبد الله فتعجز، أما الآن فأنت في صحة، فبادر بهذه الصحة، واستغلها فيما يرضي الله عز وجل.
إخوتي! أدعو نفسي وأدعوكم إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، واستغلال مستهل العمر، فإن للشباب طفرة لا بد أن يصحبها عقل وتفكير وخوف وخشية من الله عز وجل، وإلا فكما قال الشاعر: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة إنّ الشباب والقوة سلاح ذو حدين، فإما أن يستغل الإنسان هذه القوة فيما يغضب الله عز وجل، فحدث ولا حرج عما تحدثه هذه الفتوة وهذا الشباب من شر، وإما أن يستغله في خشية الله عز وجل، وما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا أظن أن أحداً من الناس يستطيع أن يفعل ما يفعله الشباب من الأعمال الصالحة؛ لأن هذه القوة العارمة لا تقف عند حد من الحدود.