في طريق الجنة زلزلة، وبأساء، وضراء، وأمور مخيفة، وإزعاج، وأذىً للمؤمنين، وتقييد لحرية الدعاة وغير ذلك، إلى أن يصل الأمر إلى شيء من اليأس في نفوس بعض المؤمنين، وشيء من الاستبطاء في نفوس الصادقين من المؤمنين والأنبياء فيقولوا:(متى نصر الله)؟ وفي مثل هذه اللحظات يأتي نصر الله، ولكن بشرط أن لا يرجع المسلمون من منتصف الطريق، وهذا هو أخوف ما نخاف على المسلمين، لا سيما الذين ولدوا في حياة آمنة مطمئنة، ولا يعرفون في طريق الجنة هذه العقبات، ثم يفاجئون بهذه العقبات، ثم يصابون بشيء من الفتن، ثم يرجع بعضهم من منتصف الطريق، ويقول: أنا هربت من العذاب، فكيف أقع في العذاب؟ وهذه فكرة ناس من ضعاف الإيمان، ولذلك يقولون هذا.
ولذلك الله تعالى ذكر عن هؤلاء القوم أن منهم من يقول:(آمنا بالله) بلسانه، ثم يبتليه الله عز وجل بشيء من هذه العقبات التي تعترض سبيل المؤمن في طريقه إلى الله عز وجل والجنة والدار الآخرة، ثم لا يتحمل؛ لأن إيمانه ضعيف، ثم بعد ذلك يرجع من منتصف الطريق، وهؤلاء هم الذين يقول الله تعالى عنهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ}[العنكبوت:١٠] يعني: أصابته فتنة من فتن الحياة الدنيا {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ}[العنكبوت:١٠] أي: أذى الناس (كَعَذَابِ اللَّهِ) أي: كأن يقول: أنا هربت من عذاب ووقعت في عذاب محقق أمامي أرآه بعيني وأعيشه ويؤذيني، فهل أتحمله من أجل خوف وهروب من عذاب منتظر ما رأيته حتى الآن؟ يقول بنفسه كذا؛ لأن الإيمان ضعيف، فيرجع وينكص على عقبيه، وهذا معنى قوله تعالى:(فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ) أي: في دين الله (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) أي: أذى الناس (كَعَذَابِ اللَّهِ).
لكن إذا جاء النصر وجاء المال وجاءت النعمة والخيرات مع هذا الدين يأخذ هذا الدين؛ لأنه ليس فيه مشقة، فإذا ما أصابه الفضل من الله عز وجل أخذ بهذا الدين، ولذا قال:{وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ}[العنكبوت:١٠] يعني: أصبح المسلمون في عزة {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}[العنكبوت:١٠] أي: في هذه الغنيمة {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:١٠]، فالذي يكابد هذه الشدائد والذي يريد أن يأخذ من هذا الإسلام ما لان عليه أن يعلم أن الله تعالى أعلم بما في صدور العالمين.
هذه هي الفتنة التي نسمع أخبارها في القرآن، وهذا هو الابتلاء الذي يقص الله تعالى علينا أخباره، وأن هناك من الناس من لا يتحمل هذه الشدائد لأنه يعبد الله على حرف، أي: على طرف بين الإيمان والكفر، بمعنى أنه لم يتمكن الإيمان من قلبه {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ}[الحج:١١]، والعياذ بالله! ولذلك لا تعجب في أيام الفتن من أن ترى من الناس من يضطرب إيمانه، ومن يهتز يقينه بالله عز وجل وخشيته من الله عز وجل، فيرجع دون أن يكمل المشوار إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة؛ لأنه كان يعبد الله على حرف، وعلى طرف بين الجاهلية والإسلام، فهذا لا يمكن أن يثبت على دينه إلا حينما يكون هناك خير وتكون سعادة ويكون رخاء وتكون غنائم ويكون المسلمون في راحة، وهذا هو الذي يتطلبه كثير من المسلمين في أيامنا الحاضرة، يريدون إسلاماً ليست فيه فتنة، وليس فيه ابتلاء، وليست فيه محن، فأحدهم يصوم ويصلي ويؤدي الزكاة إن كان عنده مال إلى آخر ذلك، لكن الجهاد ثقيل على النفوس، سواء أكان جهاداً بالحجة التي ربما تضع بعض العراقيل في طريق المسلم في سيره إلى الله سبحانه وتعالى، أم بالمال الذي هو غالٍ عليه ونفيس، أم بالنفس التي يراق فيه الدم وتسلب فيه الروح.