[أنواع الذنوب وضررها على صاحبها]
السؤال
إذا كان الإنسان يصلي ويصوم، ويتصدق ويزكي، ويحب الخير، وقد يعمل بعض المعاصي مع علمه بحرمتها، فهل هذا يؤثر على عمله الصالح أم لا؟ وهل تتأثر الحسنات مع وجود السيئات؟
الجواب
أما كونه يؤدي أركان الإسلام ويفعل الواجبات لكنه يفعل شيئاً من المحرمات، فهذا نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق.
لكن فعله للسيئات لا يطعن في إيمانه، ولا يطعن في إسلامه، فهو ما زال مسلماً ما دامت هذه السيئات لا تصل إلى درجة الردة، فإذا وصلت إلى درجة الردة فإنه يكفر، ويحبط عمله نهائياً، لكن فعل السيئات أيضاً يختلف؛ فهناك كبائر، وهناك صغائر؛ فإذا وصل إلى درجة الكبائر فإن هذه الكبائر تذهب الحسنات التي كسبها، كما أن الحسنات يذهبن السيئات، فكذلك السيئات قد تستهلك الحسنات.
ولذلك الله تعالى أخبرنا بأن الوزن يومئذٍ الحق، وأن الله تعالى يزن أعمال الإنسان الحسنات والسيئات، يزنها يوم القيامة، فتوضع الحسنات في كفة، وتوضع السيئات في كفة، فإن رجحت الحسنات فقد سعد، وإن رجحت السيئات فقد شقي.
ولكن المسلم الذي يعمل هذه السيئات عليه أن يبادر بالتوبة؛ لأنه إذا بادر بالتوبة فإن الله عز وجل يغفر له مهما بلغ من الذنوب، كما قال عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:٥٣ - ٥٤]، أي: بهذا الشرط.
وإذا لقي الله عز وجل بهذه السيئات التي لا تصل إلى درجة الكفر فإنه تحت مشيئة الله وإرادته، إن شاء الله تعالى غفر له، وإن شاء عذبه، لكنه لا يخلد في النار.
فمن فعل الكبائر مهما كانت الكبائر، ما دامت لا تصل إلى درجة الكفر وإلى درجة الشرك فإنها لا تخلده في النار؛ فقد يغفرها الله له ولا يحاسبه عليها، وقد يحاسبه عليها، ثم يكون مصيره إلى الجنة ما دام قد مات على عقيدة الإيمان والتوحيد والإسلام.
ولكن يا أخي! اعلم أن هذه مخاطرة؛ فهذه الحسنات التي تتعب فيها احذر أن تستهلكها بالسيئات، ونقول: اتق الله! ودع هذه السيئات، إلا أن أكبر سيئة أحذر الناس منها هي: الشرك بالله عز وجل، ولذلك يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
والشرك بالله قد انتشر في أيامنا الحاضرة؛ فلا نظن أيها الإخوان! أن الشرك قد انتهى إلى الأبد، صحيح أن اللات والعزى ومناة وإساف ونائلة وهبل قد فقدت وانتهت، لكن لا زالت هناك أوثان كثيرة في أيامنا الحاضرة؛ وإن شئت فاذهب إلى البلاد الإسلامية المجاورة فستجد أناساً يطوفون حول القبور، ويتمسحون بالقبور، ويخشعون أمام القبور، وينذرون لها النذور، ويتقربون إليها بأنواع القرب، وهذا هو الشرك الأكبر؛ لأن هؤلاء يقولون: نحن نرجو شفاعتهم يوم القيامة، وهذا كما قال الأولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣].
ففي كل بلاد المسلمين آلهة، فالدنيا تعبد من دون الله في أيامنا الحاضرة، وهذا نوع من الشرك، والزعماء يعبدون من دون الله في أيامنا الحاضرة في كثير من البلاد الإسلامية؛ لأنهم يشرعون ويطيعهم البشر، ويرفضون أحكام الله، ولو صدر أمر من أحد هؤلاء المسئولين وأجبر الناس عليه لوجدت الناس ينجبرون وراء هذا الأمر؛ خوفاً من سياط القوة المادية، ويغفلون عن عذاب الله عز وجل، وهذا نوع من الشرك، فالخوف من البشر أكثر من الخوف من الخالق سبحانه وتعالى نوع من الشرك.
والذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعضهم تركوه خوفاً من أن ينالهم أذى، وهذا يخشى أن يصل بهم إلى درجة الشرك؛ لقوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:١٠]، أي: أنه يساوي بين هذا وهذا.
المهم أن الشرك موجود، وهو من الذنوب التي لا يغفرها الله عز وجل، وصاحبه مخلد في نار جهنم، أما المعاصي فإنها تحت مشيئة الله وإرادته.
ولذلك فإني أدعو أخي الذي يقيم أركان الإسلام وتعاليم الإسلام ويؤدي الواجبات إلى أن يخشى الله عز وجل في هذه المحرمات؛ لأنها ستستهلك حسناته في يوم من الأيام.