هناك نوع رابع جعل حياته كلها لله عز وجل، وهو صفوة هذه الأقسام الأربعة، فهو نوع باع نفسه لله عز وجل وقبض الثمن الذي لابد منه وهو الجنة، وسلم المثمن وهو نفسه، فهو ينتظر الجزاء:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:٢٠٧].
لا يحني رأسه لغير الله، ولا يسأل إلا الله، لا يعرف في هذا الكون من يستحق أن يعبد أو يخشى إلا الله، قد رفض الدنيا كلها في سبيل شراء عقيدته والاحتفاظ بها.
كان صهيب الرومي رضي الله عنه يريد أن يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، وكان رجلاً ثرياً، فيلحقه أهل مكة فيقولون له: يا صهيب! والله لا تغادرنا وقد جئت رجلاً فقيراً، ثم أنت اليوم ترتحل من أثرى الناس، فيقول: يا قوم! إن كنتم تريدون مالي فإن مكانه في كذا وكذا في مكة، وإن كنتم تريدون أن تصرفوني عن اللحاق بمحمد صلى الله عليه وسلم فإني والله من أرمى العرب، ووالله لا أترك سهماً في كنانتي حتى أصيب به واحداً منكم أو تتركوني وتخلوا بيني وبين نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، فيقولون: دلنا على مالك، فيدلهم على جميع ماله، ويخرج بنفسه لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكاد يصل المدينة حتى تتلى هذه الآية في حقه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:٢٠٧].