للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمييز الخبيث من الطيب]

سلط الله تعالى الكافرين على المسلمين؛ يقدمون أموالهم وأنفسهم ليحاربوا بهما الإسلام، وجعل له سبحانه وتعالى جنداً يقاتلون في سبيله، وجنداً للطاغوت يقاتلون في سبيل الطاغوت السر في ذلك: أن يكون للجنة أهل وللنار أهل، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:٣٧]، كما قال تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:٤٢]، ولولا هذه الفتن، ولولا الجهاد في سبيل الله، ولولا تسلط الطغيان في الأرض على المؤمنين ما كان ليتميز الخبيث من الطيب، ولو أن هذا الدين لم يطالب أهله بجهود ولا تضحيات ولا إراقة دماء ولا بذل للأموال ولا دعوة إلى الله لولا هذه المطالب لما تميز الخبيث من الطيب.

ولو كان الدين مجرد شعائر تعبدية دون أن تكون هناك تكاليف وعقبات ونكبات وأمور موحشة ومخيفة في طريقه، لما عرف الصالح من الطالح، ولما تمايز الناس إلى درجات، والله تعالى يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢]، وقد أخبر الله تعالى بأن من ظن أن طريق الجنة سهل فعليه أن يراجع أمره فقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:٢١٤] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٤٢]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} [التوبة:١٦]، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢].