قال الله تعالى:{وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}[الأحزاب:٣٣]، التبرج: مأخوذ من البرج، والبرج معناه: الشيء المرتفع الذي يرى من بعيد، ويقال للسفينة الكبيرة: بارجة؛ لأنها ترى من بعيد، كما يقال للبرج برجاً؛ لأنه يرى لارتفاعه من بعيد، والمرأة المتبرجة: هي التي تكشف شيئاً من جمالها ليراها الناس كما يرى البرج من بعيد، وكما ترى البارجة من بعيد.
وهذا الجمال الذي جعله الله عز وجل زينة لها ليكون سبيلاً لربط العلاقة بينها وبين زوجها، لا يجوز أن يكشف إلا حيث أباح الله عز وجل بقوله:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور:٣١]، {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}[النور:٣١] إلى آخر الآية.
والتبرج يشمل عدة أمور نشاهدها في عالمنا اليوم منها: إظهار جمال الجسد، كما تفعل كثير من النساء الساقطات، حينما تخرج شعرها ونحرها وساقيها، ولربما شيئاً من فخذيها وذراعيها، حتى لقد تطور الأمر إلى أن وجدت هناك نساء شبه عاريات ترى في بعض بلاد المسلمين! فكان سبباً للفتنة.
وإذا قيل لتلك المجتمعات: إن هذا سبب دمار الأمة، قالوا: إن الوحشة بين الذكر والأنثى تزول حينما تتبرج المرأة وتكشف زينتها؛ لأنها تصبح أمراً مألوفاً! قاتلهم الله أنى يؤفكون! ونرد عليهم من خلال واقعهم ونقول: إن مجتمعاتكم التي كشفت عن جمال المرأة وعن جسدها، حتى وصلت إلى الحضيض، وسقطت أنظمتكم بمقدار سقوط أخلاقكم، وكلما هبط الإنسان درجة هبط القانون درجتين ليسدل ستاراً على ذلك الواقع المرير هل استطعتم من خلال هذا الهبوط، ومن خلال هذا التبرج، ومن خلال هذا الاختلاط، ومن خلال تلك العفونة وذلك الانحطاط هل استطعتم أن تقضوا على الفاحشة كما تزعمون؟! إنكم تقولون: إن الشهوة بين الرجل والمرأة نستطيع أن نقضي عليها من خلال هذا التبرج ومن خلال الاختلاط إلى غير ذلك، ونقول: إن الفواحش والجرائم والسطو والزنا والإجرام ينتشر في بلادكم بمقدار ما تنحرفون عن منهج الله عز وجل وعن دين الله، وبمقدار ما تسقط فيه المرأة وتتبرج.
وعلى هذا فإن الله عز وجل يريد المرأة المسلمة ألا تتبرج:{وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}[الأحزاب:٣٣]، سواء في ذلك التبرج الذي هو إخراج الزينة، أو التبرج الذي هو إخراج تقاسيم الجسد في الملابس الضيقة من البنطال وغيره، أو التبرج الذي هو لبس الملابس الشفافة، أو الرقيقة، أو الجميلة الفاتنة، أو التعطر والتطيب، كل ذلك داخل في التبرج الذي حرمه الله عز وجل.
يقول الله عز وجل:{وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}[الأحزاب:٣٣]، وهذا يدل على أن هناك جاهليتين، وفعلاً هناك جاهليتان: جاءت الجاهلية الأولى فتفسخت فيها المرأة، حتى كان من بقاياها أن طافت حول البيت عارية، تضع يديها على سوءتها وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله تفسخت المرأة، وانتشر الفساد؛ فكان سبباً في سقوط الأمة في الجاهلية الأولى.
ثم جاءت الجاهلية الثانية تحمل رد فعل لما فعلته الجاهلية الأولى، فبالغوا في حماية المرأة مبالغة شديدة، حتى أدى إلى أن أحدهم -والعياذ بالله- {َإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ}[النحل:٥٨ - ٥٩]، يقول الله عز وجل:{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}[النحل:٥٩]، فربما يصبر على هذه المرأة، ويشعر بالخيبة والضياع حينما تولد له امرأة، فإما أن يمسكها على هوان، وإما أن يدفنها وهي حية، وهو الوأد الذي يقول الله عز وجل عنه:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[التكوير:٨ - ٩]، ثم جاء الإسلام فلا هو بالجاهلية الأولى التي تتبرج فيها المرأة، ولا هو بالجاهلية الثانية التي يبالغ فيها بحماية المرأة حتى يؤدي إلى وأدها، وإلى الشعور بالذلة والمهانة والسوء حينما يبشر أحدهم بالأنثى، أي: بالبنت تولد له، فالله عز وجل يقول:{وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}[الأحزاب:٣٣]، أي: لا تتبرجن كتبرج الجاهلية الأولى.