للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفظ الله ورعايته لأوليائه تتدخل مهما كان الأمر]

درس آخر: قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} [القصص:٧]، هذا هو الأمر العجيب! عندما يخاف إنسان على إنسان لا يلقيه في اليم، وإنما يدخله في الغرفة ويخفيه، ويغلق عليه الباب، هذه هي القاعدة المعروفة عند الناس بالنسبة لمن يخاف على نفسه أو من يخاف على غيره، لكن هنا يقول تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص:٧]، وهذا في غاية التحدي من الله عز وجل لهذا الطاغية ولكل طاغية، أي: أن قضاء الله عز وجل وقدره ينفذ مهما اتخذت الاحتياطات ضد هذا القضاء والقدر، وكم من إنسان كان محصناً في ملكه، محيطاً به حرسه وقوته، وهو بكامل قواه، ثم ينزل عليه قضاء الله عز وجل وقدره في أقوى ساعة يكون فيها متحصناً عن عدوه؛ لأن هذه أقدار وآجال مقدرة مؤقتة من عند الله عز وجل: {فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:٤٩].

إذاً: الاحتياطات لا تنفع، الذي ينفع هو الاعتماد على الله من ناحية، مع اتخاذ شيء من الاحتياطات، لكن لا يعتمد على الأسباب، وإنما يعتمد على خشية الله عز وجل، وعلى حفظ الله عز وجل وحمايته، مع اتخاذ شيء من الاحتياطات، بشرط أن يسير هذا الإنسان سيراً مستقيماً.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان يحكم عالماً كبيراً، كان ينام في المسجد، ما كان يحتاج إلى حرس، ويشهد له الزبرقان عدوه، لما وجده متوسداً بردة له في المسجد، وهو نائم في وسط الناس، وهو الخليفة، شهد له بالحق، وقال: يا عمر! عدلت فأمنت فنمت، ولكن الذين لا يعدلون كيف يحيط بهم الحرس والجنود من كل جانب، ومع ذلك لا يمكن أن يحفظهم هؤلاء من قضاء الله عز وجل وقدره.

فهنا يقول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} [القصص:٧]، وإن كان في اليم؛ لأن الله تعالى هو الذي يحفظ الإنسان، فليس الذي يحفظه الأبواب المغلقة، والستور المرخاة، والحصون المحصنة إلى غير ذلك، وإنما الذي يحفظه هو الله عز وجل: {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:٧]، تصور يا أخي! وهو طفل يرضع تأتي البشارة من عند الله عز وجل لأمه، وهذا الإيحاء ليس كإيحاء الأنبياء، وإنما هو نفث في الروع بأنه سوف يرجع إليها مرة أخرى ولو ذهب بعيداً عنها، وسيكون أيضاً من المرسلين، بل هو من خيار المرسلين عليه الصلاة والسلام؛ لأنه من أولي العزم الخمسة عليهم الصلاة والسلام.