ثم بعد ذلك يقول تعالى:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}[القصص:٥]، أمة مستضعفة تتحول إلى أئمة، لكن متى تكون هذه الإمامة؟ بشرطين: الصبر واليقين، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:٢٤]، الأمم غير الموقنة غير المتأكدة من صحة المسار غير المقتنعة بالمنهج الذي تسير عليه لا تستطيع أن تصل إلى القيادة والريادة في هذه الحياة، الأمم التي لا تصبر نفسها، ولا تريد أن تتحمل المشاق في طريق هذه الحياة؛ لا تستطيع أيضاً ولا يمكن أن تحصل على قيادة هذه الحياة، أما هنا فالله تعالى يقول:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}[القصص:٥]، يتحول من مستضعف في الأرض إلى إمام، وحينما يكون إماماً عليه أن يعي الدرس الذي يكلف به، لا يعتبر الإمامة والسلطة منطلقاً لاستذلال الأمم، وإنما يعتبرها كما أخبر الله عز وجل عنها:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ}[الحج:٤١]، في أنفسهم وفي غيرهم، {وَآتَوُا الزَّكَاةَ}[الحج:٤١]، في أنفسهم وفي غيرهم.
{وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}[الحج:٤١]، هذه هي مقومات الإمامة، وهذه هي نتائج الإمامة في هذه الأرض، وهنا يقول:{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص:٥]، الوارثون لمن؟ الوارثون للسلطان الذي سوف ينتهي عما قريب على يد هذا الطفل، الذي ولد وتربى في بيت فرعون، ثم هو أيضاً يريد أن يقضي على هذا الملك في لحظة واحدة كما هو في آخر القصة؛ لأن آخر القصة ونهاية القصة، كما أخبر تعالى:{وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ}[الأعراف:١٣٧ - ١٣٨]، فجعل الله لهم خلاصاً ومنهجاً بعد أن أوقع الطاغية وجنوده شر موقع.