للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الأول: المنافقون من البشر وصفاتهم]

لقد تحدثت أوائل سورة البقرة عن نوع واحد فقط من هذه الأنواع الأحد عشر، وهم المنافقون؛ لأن المنافقين ذكروا في ثلاث عشرة آية في سورة البقرة، وذلك بعد أن ذكر الله عز وجل صفات المؤمنين في أول السورة، ثم ذكر صفات الكافرين في آيتين، ثم ذكر بعد ذلك في ثلاث عشرة آية صفات المنافقين فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:٨ - ١٠]، ومن ثَم نريد أن نعرف معنى النفاق الذي احتوى هذا النوع الأول من هذه الأنواع.

النفاق لغة: هو إخفاء الأمر، وفي الاصطلاح الشرعي: إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

والنفاق ينقسم إلى قسمين: نفاق عملي، ونفاق اعتقادي، والنفاق الاعتقادي هو الأعظم والأفظع -نعوذ بالله من شره- وهو الذي يقول الله عز وجل عن أهله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النساء:١٤٥ - ١٤٦]، وهؤلاء يبطنون في قلوبهم الكفر، ويظهرون الإيمان أمام الناس.

أما النفاق العملي: فهو الذي يتصف بالصفات الأربع أو بواحدة منها: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر)، إلى غير ذلك.

ومن المعلوم أن النفاق لا يوجد إلا في فترات متقطعة من فترات التاريخ، وهي فترات عِزَّ الإسلام، فإذا كان الإسلام عزيزاً في زمن ما أو في بلد من البلاد وجد النفاق؛ لأن أصحابه يهدفون من ورائه إلى حماية أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من المسلمين، ولذلك فما وجد النفاق في مكة وإنما وجد في المدينة يوم أعز الله الإسلام وكانت له دولة.

ولقائل أن يقول: إذا كان هذا حقاً؛ فهل يوجد النفاق في أيامنا الحاضرة ونحن نرى أن الخير أصبح مغموراً في عالمنا اليوم، وفي حياة الناس ودنياهم؟ وهل للنفاق مكان في أيامنا الحاضرة؟ نقول: نعم، يوجد النفاق في أماكن يظهر فيها الخير، وكلما برزت بلد من بلاد الله بنوع من أنواع الخير وجد النفاق، إلا أن النفاق يأخذ مع مرور الأيام طابعاً جديداً، ويختلف ويتأقلم بحسب البيئات من حوله، وبحسب العصور والأيام.