معنى ذلك: أن طريق الجنة طريق وعر، فيه عقبات ومخاوف، وأشلاء ممزقة، وجماجم مطوَّح بها، ومخاوف وسجون، وتسلط، وأمور عظام، ولابد أن يسلك المسلم طريق هذه الجنة، ويتخطى كل هذه العقبات الذي تعترض سبيله، لابد من أن تكون هناك أحداث وأمور مخيفة حتى يتميز الخبيث من الطيب في هذه الحياة، يقول الشاعر: لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يدرى طيب عرف العود فلو أخذت عوداً ثميناً وشممت رائحته، فقد لا تستطيع أن تميز جودته، لكن إذا مسته النار خرجت رائحته، وهكذا الفتن تميز الرجال، وتظهر الطيب من الخبيث كما تظهر النار الملتهبة رائحة العود الطيب من رائحة الحطب، والله تعالى يبين أن تميز الخبيث من الطيب إنما يحتاج إلى فتن ومحن وأمور عظيمة، وكأن الله تعالى يقول: جاهدوا في سبيل الله وكونوا من جنده، وحاربوا أولياء الشيطان إن كيده كان ضعيفاً لماذا؟ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[الأنفال:٣٧]، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الحج:١١].
أيها الأخ المسلم! إن طريق الجنة طريق وعرة ينكص عنها أقوام ويسلكها رجال، وهؤلاء الرجال هم الذين لا يرجعون من منتصف الطريق مهما عز الطلب وغلا الثمن، ولو أدى ذلك إلى التضحية بالنفس والمال والولد من أجل رضا الله عز وجل، ولذلك أخبرنا الله عز وجل بأن قوماً يسلكون طريق الجنة ولكن الإيمان لم يتمكن من نفوسهم بعد، حتى إذا اعترضت سبيلهم عقبة من العقبات عادوا من منتصف الطريق ناكصين على أعقابهم، ويقول قائلهم إذا أصابته فتنة أو عذاب من عذاب الناس: خير لي أن أمتع نفسي اليوم ولا أتحمل هذا العذاب الحاضر المؤكد فراراً من عذاب متوعَّد به! ثم يرجع من منتصف الطريق.
وهؤلاء هم الذين قال الله عز وجل عنهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}[العنكبوت:١٠](فتنة الناس) أذى الناس في الحياة الدنيا، (كعذاب الله) في الآخرة.