للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شكر النعم سبب لدوامها]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبه ربنا ويرضاه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكلوا من فضله ونعمته، واشكروا له إن كنتم إياه تعبدون.

لقد أمر الله عز وجل المؤمنين بأن يتمتعوا بما في الحياة الدنيا من المتاع، وبين أنه خلق ذلك من أجلهم، بل خلق الحياة الدنيا والآخرة كل ذلك من أجلهم، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨].

المؤمنون هم مطالبون بأن يقابلوا حق الله بالشكر: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:٦٠]، {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:٨١]، {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:١٦٨].

أما الذين يستغلون نعمة الله ويخونونها، ويستخدمونها في معصيته، فأولئك شر الخلق في الدنيا والآخرة، وقد أمر الله عز وجل بأن نقوم بالشكر شكراً عملياً لا قولياً: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣]، وإذا كانت هناك نماذج في الأرض كثيرة استغلت نعمة الله في معصيته فقد أخذها أخذ عزيز مقتدر، كما قص الله سبحانه وتعالى علينا قصة سليمان الذي آتاه الله الملك والحكمة، ولكنه أدرك نعمة الله عليه وقال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:٤٠].

معشر المسلمين! إن الذين يستغلون نعم الله في معصيته إنما يعذبون أنفسهم بعقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٦٢].

أما نحن اليوم فإننا نرفل في هذا المتاع العريض، والأمن قد أرخى سدوله في بلادنا؛ بسبب تحكيم شريعة الله عز وجل، ويتخطف الناس من حولنا، فلم نؤد في الحقيقة شكر هذه النعمة.

حينما كنا فقراء كنا أطوع لله وأتقى له منا اليوم، أما اليوم فإن أقل ما نتحدث عنه بالنسبة لما حصل في بلادنا التي بليت بهذا النعيم -ولا أقول منحت هذا النعيم- أن اعتمدنا على غيرنا في تربية أولادنا اتخذنا الخادمات الكافرات أو المتمسلمات أو -على أحسن الفروض- المسلمات، واختلطن بنا واختلطنا بهن اتخذنا الصحافة في كثير من الأحيان وسيلة لهدم الأخلاق والفضائل.

حينما كنا في فقر ومسغبة كنا أتقى وأطوع لله عز وجل، ونسينا أنه هو الذي يقول لنا: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:١٣٢ - ١٣٥].

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عنا معهم، اللهم ارض عنا معهم، وارزقنا حبهم، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك.

اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، وأتمها علينا بفضلك ورحمتك.

اللهم إنا نشهدك ونشهد ملائكتك وعبادك الصالحين أننا ننكر على كل من استعمل نعمتك في معصيتك، فلا تؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٨٦].

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].

{اتْلُ مَاْ أُوْحِيَ إِلِيْكَ مِنَ الْكِتَاْبِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].