[تفسخ الأخلاق وانتشار الرذيلة]
لقد حلت هذه الغربة في الأخلاق، حيث غزت هذه الغربة أنظمة الأخلاق؛ بل لقد تعمقت في هذه الأخلاق، فتفسخت المرأة وتبرجت وأخرجت كثيراً من مفاتنها، وصارت النساء الكافرات تجوب خلال الديار الإسلامية طولاً وعرضاً، لا يستطيع أحد من المسلمين أن يرفع رأساً وأن يقول: إن هذه امرأة يجب أن تقف عند حدودها، إلا ما شاء الله.
لقد تبرجت المرأة المسلمة تقليداً للمرأة الكافرة، وأظهرت مفاتنها، وانتشر الفساد في البر والبحر، وانتشر الفساد أيضاً حتى في الجو يا إخوان! في الجو وعلى متن الهواء وعلى بعد آلاف الأمتار من الأرض يعصى الله عز وجل، حيث توضع نساء في الطائرات متبرجات أعظم من تبرج الجاهلية الأولى، تخرج سيقانها وركبها وشعرها وعضدها ونحرها وتقصد الركاب، وأهل الجاهلية الأولى قد كانوا خيراً منا في هذه الناحية، فقد كانوا إذا ركبوا في البحر دعوا الله مخلصين له الدين، يقول عز وجل عنهم: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٦٧]، ونحن على متن الهواء تعرض الأفلام الفاضحة الهابطة، والله لقد رأيت بعيني أفلاماً كلها جنس تعرض والناس بين السماء والأرض معلقين برحمة الله عز وجل، والمشركون وهم على الماء يدعون الله مخلصين له الدين في حال الشدة.
إذاً: جاهلية اليوم أخطر وأخبث من جاهلية الأمس، فجاهلية الأمس كانوا يعرفون الله عز وجل في وقت الشدة ويغفلون عنه في وقت الرخاء، وفي أيامنا الحاضرة يغفل عنه كثير من المسلمين في أيام الرخاء والشدة.
ثم إن المرأة قد قام لها أناس يطالبون بحقوقها وبحريتها، ولم يكتفوا بما وصلت إليه اليوم، فهاهم اليوم يقولون: نريد من المرأة أن تقود السيارة، ويقولون في الغد: نريد من هذه المرأة أن تأخذ كل ما يأخذه الرجل، وأن تختلط بالرجل في المعمل، وفي المكتب، وفي السوق، وفي المدرسة، وفي كل أمر من الأمور، هذه مطالب لا يقف أعداء الإسلام عند حد فيها، وهم الآن يتربصون بنا الدوائر، ويظنون أن دولة الإسلام شمس تكاد أن تأفل اليوم، فهم ينتظرون ساعة الصفر التي يعلنون فيها ما في قلوبهم من غل، ولكن الله عز وجل يقول: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:٥٢].
ولقد كانوا ينتظرون زوال فلان وفلان من الناس الذين هم حجر عثرة في سبيل تقدمهم كما يزعمون، ولكن خر عليهم السقف من فوقهم، ونجد والحمد لله في كل العالم اليوم صحوة إسلامية، تبين أن دولة الإسلام قد عادت كل العودة، وأن الغربة بدأت الآن ترتحل من أرض الله الواسعة لتترك مكانها لدين الإسلام.
هذه الصحوة الإسلامية التي يتمتع بها شبابنا اليوم وفتياتنا، والذين يرفضون كل هذه التقاليد، ويرفضون كل تلك السموم، ويريدون أن تكون العزة لله عز وجل بحق، ويريدون أن تعود دولة الإسلام كما كانت في أيامها السابقة، ونسأل الله أن يحقق الخير على أيديهم.
إخوتي في الله! إن غربة الإسلام اليوم قاسية، لكن لا نتناسى هذه الصحوة الإسلامية التي -والحمد لله- تعيش معنا اليوم ونعيش معها، ونسأل الله أن يثبت أقدامها، وأن يرزقها الاتزان والصبر والتحمل، لكن بالرغم من ذلك كله فما زلنا نعيش هذه الغربة، نعيشها في أخلاق الناس اليوم، وإني لأعجب كل العجب أن تصل هذه الغربة إلى أعماق رجولة الرجال، فقد رأينا كثيراً أو طائفة من الشباب يتنازلون حتى عن رجولتهم، وما كان ذلك في غربة الأمس؛ بل لقد كان العربي يعتز برجولته بالأمس بالرغم من أنه رجل جاهلي، ولكننا في أيامنا الحاضرة نجد كثيراً من الشباب بدءوا يتنازلون عن رجولتهم، يتأنثون كما تتأنث النساء، ويزاحمون النساء على موضاتهن وأشكالهن وصفاتهن في الابتسامة وفي الضحكة وفي الصوت وفي ضيق الملابس وفي شفافية الملابس، وربما يلبسون شيئاً من الذهب! وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سأله عمر عما سيحدث، فقال: (يا عمر! ترك القوم الطريق وخدمهم أبناء فارس) انظروا إلى أبناء فارس الآن، هم الذين يقودون السيارات ببناتنا ويذهبون بهن إلى المدرسة وإلى الأسواق في كثير من الأسر؛ بل وبنات فارس الآن تعيش في قعر بيوت المسلمين من الفلبين ومن كوريا ومن كل بلاد الكفر، وبلاد الإسلام التي قد فقدت الإسلام الصحيح، وهب أنهم مسلمون ما داموا غير محارم لهؤلاء النساء فهذا عار وهذه مصيبة.
وكذلك عندما يتزين الرجل منهم بزينة المرأة لزوجها، يتأولون كتاب الله، حيث يرددون قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:٣٢].
أيها الإخوان! في جاهلية الأمس كان الرجل يعتبر أن من عرف اسم ابنته أو اسم أخته أو سمع صوتها عاراً، ويقول قائلهم: إياك واسم العامرية إنني أخشى عليها من فم المتكلم واليوم تسمعون وترون بأعينكم أخبار هؤلاء النساء إلا من رحم الله.