للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[همة النصارى وكسل الدعاة إلى الله]

نحمد الله حمداً طيباً مباركاً فيه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن دعا بدعوته، ونصح لأمته إلى يوم الدين.

أما بعد: فكل الناس يعملون، منهم من يعمل للدنيا، ومنهم من يعمل للآخرة، ومنهم من يسعى ليدمر أخلاق الأمة، ومنهم من يسعى لحماية هذه الأمة من مزالق البلاء والدمار، ومنهم من التبس عليه الأمر فأصبح سعيه في نظره مقبولاً وعند الله مرفوضاً، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٤ - ٢٠٥].

ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كل الناس يغدو -أي: يسير ابتداءً من الصباح منطلقاً مبكراً للعمل- فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) إما أن يبيعها الله عز وجل ويعتقها من النار، وإما أن يوبقها، وكلهم يعملون، ولربما يتعب أعداء الإسلام الذين يحاربون الإسلام ولا يرجون الجنة أكثر من أن يتعب دعاة الخير والصلاح، لكن الفرق بيننا وبينهم: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤].

وإن أعجب ما أتعجب له حينما أدخل في مجاهل أفريقيا في غابات موحشة، فأرى فتياناً وفتيات من النصارى يأتون من قلب أوروبا ومن روما، يركبون البقر، ويتجولون في الغابات الموحشة، ويشربون المياه الآسنة، مع شظف العيش والبعوض والحر والمخاوف والمخاطر وهم في سن مبكرة في أيام الشباب والنعومة، ثم أتعجب وأتساءل: لماذا جاء هؤلاء؟ لماذا هؤلاء لم يتمتعوا ببلادهم التي هي متعة الناس، وهم لا يرجون الجنة؟! فأتذكر قول الله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦].

لكني أعجب من كون هؤلاء أبناء النصارى وبنات النصارى الذين لم تبق فطرتهم السليمة، بل حيل بينهم وبينها، وهم حطب لجهنم إلا إذا دخلوا في الإسلام، وأسأل مرة أخرى وأقول: أين أبناء المسلمين؟ بل أين أبناء الجزيرة العربية؟ أين أبناء مكة والمدينة وما حولها الذين هم أول من حمل هذه الرسالة وأول من كُلف بها، وهم أول من يُسأل عنها يوم القيامة؟! فلا أستطيع أن أجيب نفسي؛ لأني لا أرى إلا نادراً من أولئك، أما الكثرة الساحقة فهم أبناء النصارى الذين يعيثون في الأرض فساداً.

قلت: سبحان الله! سنة الله في الذين خلوا من قبل: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤].

وصدقني -أخي الكريم- أن هناك غابات في وسط أفريقيا ندخلها لا نصل إليها إلا بشق الأنفس، بسيارات جيب خاصة جداً، تخترق الرمال والوحوش والأمور المخيفة، ثم نجد هؤلاء الذين يعيشون طيلة حياتهم قد تطوعوا سنين طويلة في حرب أبناء المسلمين على الفطرة، يأخذون الأطفال من أمهاتهم الفقيرات، فيربون الأطفال، تربيهم المرأة على الحليب المركز، وتحتضن هذا الطفل الأسود وهي أشد بياضاً من الشمس، فتربيه كأنها تربي طفلها الذي خرج من جوفها، وأبناء المسلمين أكثرهم يغطون في نوم عميق!