معشر المسلمين! ولربما يغتر طائفة من الناس بهذا النعيم، ويظنون أنه مقياس السعادة، وأنه علامة من علامات الرضا، وإذا ناقشت هؤلاء قالوا: الناس في خير! الناس في نعمة! هؤلاء الكافرون منذ القدم يرفلون في نعم الله ولم يأخذهم، ونسوا عند طرحهم لهذه الشبهة أن الله سبحانه وتعالى يقول:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:٤٤ - ٤٥].
أما هؤلاء الكافرون الذين يرفلون منذ القدم في نعم الله فإن الله يقول عنهم:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:١٥ - ١٦].
معشر المسلمين! إياكم واستعمال المقاييس! وإياكم أن تخدعكم هذه النعمة! وأنا حينما أخاف لا أخاف على أولئك المخضرمين الذين عاشوا فترة الجوع والمسغبة والخوف والجوع؛ فإن هؤلاء يدركون نعمة الله عليهم اليوم في كثير من الأحيان -وإن كان كثير منهم قد غير وبدل- ولكني أخشى على هذه الناشئة الجديدة التي ولدت وكما يقول المثل: وفي أفواهها ملاعق من ذهب، لا تسمع إلا عن مئات المليارات من ميزانية الدولة، ثم يظنون أن هذا النعيم كان قديماً، وأنه سيبقى لهم إلى الأبد! معشر المسلمين! احذروا هذا الفهم الخاطئ، واعلموا أن الله يقول:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:١٨٢]، أي: ندنيهم من العذاب درجة بعد درجة، بطريق لا يدركون أنه من العذاب، وأقرب ما يكون ذلك حينما تكون العقوبة نوعاً من النعيم في ظاهر الأمر.
أيها المؤمنون! استجيبوا لأمر الله، واستقيموا على دينه، واعلموا أن النعمة قد تصيب القوم مع طاعة الله، وقد تكون علامة من علامات الرضا، أو نوعاً من الجزاء العاجل يعجله الله للمؤمنين، يقول سبحانه:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن:١٦]، ثم يقول بعد ذلك:{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}[الجن:١٧]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ}[الأعراف:٩٦].