للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتخاذ بطانة الشر من الركون إلى الظالمين]

الركون معناه: أن تتخذ هذا الرجل أو هذا الإنسان كالركن تعتمد عليه كما تعتمد على الجدار أو على الركن، أي: فتتخذ هذا الرجل الكافر أو الفاسق أو الظالم أو الطاغية ركناً تعتمد عليه من دون المؤمنين، وهذا هو الخطر، وهذه هي البطانة التي حذر الله عز وجل من اتخاذها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:١١٨] أي: من غيركم ممن لا يوافقكم في دينكم وعقيدتكم، فإنّ اتخاذهم بطانة أمر خطير جداً؛ ولهذا فإن كثيراً ممن وقعوا في سخط الله عز وجل إنما وقعوا في ذلك بسبب هذه البطانة، ولم يوفقوا إلى جلساء صالحين، ولعل السر في ذلك: أنهم أعرضوا عن شرع الله عز وجل، فقيض الله تعالى لهم هذه البطانة، وهذا ما أشار الله عز وجل إليه بقوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٦]، سواء كان من شياطين الإنس أو من شياطين الجن، (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أي: لا يتركه حتى يكبَّه في نار جهنم.

فالأمر خطير، يقول الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣]، فمصاحبة الفسقة أمر خطير، يذهب بالإنسان مذاهب خطيرة، فهؤلاء الفسقة ربما يفسدون على الرجل الصالح -الذي لم يحسن اختيار الجلساء- صلاحه ودينه، فلا يدعوه حتى يخرجوه من الملة، ولذلك فإن المسلم مطالب بألّا يخالط إلا الأتقياء، وألّا يأكل طعامه إلا الصالحون، وألّا يأنس إلا بأولياء الله عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فإن رغب عن هذا المنهج فإنه على خطر، ويكون من الذين ركنوا إلى الذين ظلموا؛ فتمسه النار، {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [هود:١١٣] أي: ليس لكم أي ولي من الأولياء، و (من) هنا زائدة للتأكيد، والمعنى: أن هؤلاء الذين ركنتم إليهم لا يستطيعون أن يدفعوا عنكم ضراً أو يجلبوا لكم نفعاً، أياً كان هذا النفع وأياً كان هذا الضر؛ لأن دخول (من) في هذا المكان بعد النفي تفيد العموم المطلق، والمعنى: أي ولي اعتمدتم عليه غير الله، فإن هذا الذي اعتمدتم عليه ليس ولياً يركن إليه، وإنما هو عدو لهذا الذي ركن إليه.

ولذلك يقول الله تعال: {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود:١١٣] أي: لا يستطيع ذلك أن ينصركم من دون الله، ولذا شبّه الله تعالى الذين اعتمدوا على غيره، وركنوا إلى غير الركن الشديد، واتخذوا بطانة من غير المؤمنين؛ شبههم بالعنكبوت حينما تبني لها بيتاً تدافع به عن نفسها، وتتحصن به في وقت الشدائد، فلا يستطيع هذا البيت أن يحمي هذه العنكبوت، فهؤلاء أشبه ما يكونون ببيت العنكبوت، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٤١]، وقد جاءت هذه الآية بعدما أخبر الله عز وجل بأنه أهلك الأمم الذين اتخذوا بطانة من غير المؤمنين، وصرفوا العبادة لغير الله، وظنوا أن هذه الآلهة تدفع عنهم ضراً أو تجلب لهم نفعاً، قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٤٠ - ٤١].