أما في ساعة الموت، وما أدراك ما ساعة الموت! وهي أشد ساعة تمر بالإنسان طول حياته، فهي ساعة مخيفة جداً رهيبة، إنها ساعة ينظر الإنسان فيها إلى أهله وأمواله وأطفاله وزوجته النظرة الأخيرة، ويريد أن يودع الحياة الدنيا، ساعة التفت فيها الساق بالساق! وبلغت الروح التراقي، يريد الآن أن يفارق الحياة الدنيا.
ماذا يكون موقف هذا الإنسان وهو يودع المتاع والنعيم والقصور والأولاد، ويقبل على حفرة مظلمة لا يدري ماذا يجد فيها؟! هذه ساعة مخيفة، وهي أشد ساعة تمر بالإنسان طول حياته.
تصوروا أنه في هذا الموقف الرهيب يأتي دور الاستقامة وجزاء الاستقامة أيضاً، ينزل الله عز وجل على هذا الإنسان في هذه الساعة الرهيبة الشديدة المخيفة المزعجة ملائكة تطمئنه: اطمئن أمامك الجنة ما وراءك من الأهل والذرية والمال نحن نخلفك فيه لا تخاف على أولادك سنعوضك في الدار الآخرة ما هو أفضل من ذلك، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت:٣٠] أي: ثبتوا على دين الله {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ}[فصلت:٣٠] أي: في ساعة الموت، تقول لهم:{أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:٣٠]، لا تخافوا مما أمامكم، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من الحياة الدنيا، فالأولاد نحن نخلفكم عليهم نحن نرعاهم نحن نعوضكم عن الممتلكات العظيمة التي خلفتموها وراءكم بما هو أفضل منها، سنكون معكم حتى تدخلوا الجنة، لا نفارقكم حتى في القبر وعند الحساب والميزان، حتى على الصراط لا تخافوا ولا تحزنوا، لو لم يكن للاستقامة جزاء إلا هذا لكان هذا ألذ جزاء.
أما الساعة الرهيبة المخيفة المزعجة الموحشة! فتتنزل الملائكة وتقول لهؤلاء المستقيمين على دين الله:{((أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[فصلت:٣٠ - ٣١] كنا معكم في الحياة الدنيا نحرسكم قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١] أي: بأمر من الله، {وَفِي الآخِرَةِ}[فصلت:٣١] أيضاً سنكون معكم لا تنزعجوا، {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:٣١ - ٣٢].
إذاً: هذه الاستقامة تؤنس الإنسان في ساعة الموت، لكن الصنف الآخر -نعوذ بالله- هم الذين يقول الله فيهم {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}[النساء:٩٧]، و {الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[الأنفال:٥٠] من الأمام ومن الخلف.