[حد الزنا المحكم غير المنسوخ]
وعلى هذا فإن الأذى والحبس في البيوت كان في أول الإسلام، أما وقد استقر الحد فإن عقوبة الزاني إن كان ثيباً محصناً أن يجلد ويرجم.
واختلف العلماء في الجلد، واتفقوا على الرجم إذا كان محصناً، والمحصن: هو من وطئ زوجته المسلمة بنكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران، فإن المحصن الذي عرف قدر نعمة الغيرة على المحارم، والذي قد أتم الله عز وجل عليه النعمة الحلال، ثم يجنح إلى الحرام؛ فإن عقوبته أن يرجم، أما البكر من الرجال والنساء فإن عقوبتهما الجلد مائة جلدة، مع التغريب سنة.
واختلف العلماء أيضاً بالنسبة لجلد المحصن قبل الرجم، فقالت به طائفة كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكما هو رأي طائفة من العلماء، ولذلك يقول الله تعالى عن الرجل والمرأة: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء:١٦]، أي: يأتيان فاحشة الزنا، والضمير في (منكم) أي: من المسلمين، والخطاب دائماً يعود للمسلمين، مع أن عقوبة الزاني وردت في الكتب السماوية التوراة والإنجيل والقرآن كما في قصة اليهوديين.
{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء:١٦]، المراد بالأذى: التعيير واللوم والعتاب والتشنيع والسب، {فَإِنْ تَابَا} [النساء:١٦]، أي: رجعا إلى الله عز وجل، {وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء:١٦]، أي: أصلحا العمل، ودائماً تقرن التوبة بالإصلاح، أي: أن التوبة التي لا تقترن بعمل صالح قد تكون توبة غير صحيحة.
ولذلك يكلف العبد إذا تاب إلى الله عز وجل أن يصلح العمل، كما قال الله عز وجل في سورة هود: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، ولذلك كلما فعل الإنسان سيئة فعليه أن يعمل بجوارها حسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، وعلى هذا فإن الإصلاح أمر مطلوب كما أن التوبة أمر مطلوب، والدليل على صدق التوبة وحسنها هو: إصلاح العمل، ولذلك على من وقع في معصية من معاصي الله ثم تاب ورجع إلى الله عز وجل أن يكثر من الأعمال الصالحة، عسى الله أن يتجاوز عنه.
ولما تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه عن غزوة تبوك، ثم أنزل الله عز وجل توبته في سورة التوبة: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:١١٨] إلى آخر الآيات، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن من توبتي -أي: من شكر نعمة الله علي بالتوبة- أن أنخلع من مالي كله لله عز وجل، فقال له عليه الصلاة والسلام: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك).
وعلى هذا فإن من صمم وعزم على التوبة، وصدق في توبته إلى الله عز وجل؛ فإن عليه أن يصلح العمل، وأن يبادر بالإكثار من الصالحات من نوافل العبادة، إضافة إلى فرائض العبادة، ولكن لا يبدأ بالنوافل ويضيع الفرائض، فإن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
قال تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} [النساء:١٦]، أي: أصلحا العمل، {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء:١٦]، أي: بالنسبة للأذى؛ لأن الله تعالى قبل التوبة، ولأن الناس عليهم أن يقبلوا هذه التوبة، ولأنه لم تنزل هناك حدود في هذا الأمر قبل سورة النور.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:١٦]، وكلمة (كان) إذا جاءت في لغة العرب معناها: مضى وانتهى، لكنها إذا جاءت بالنسبة لله عز وجل وأسمائه وصفاته فإنها تدل على الاستمرار والدوام، أي: ولا يزال الله عز وجل تواباً يقبل التوبة، (رحيماً)، أي: يرحم عباده فيقبل توبتهم.