في سورة الصافات موقف آخر يشبه هذا الموقف، يقول الله عز وجل عن هذا الموقف:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا}[الصافات:٢٢]، معنى احشروهم أي: اجمعوهم بقوة، {وَأَزْوَاجَهُمْ}[الصافات:٢٢]، أي: أشكالهم ونظراءهم ومن يشابههم في المبادئ والأفكار وما أشبه ذلك: {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الصافات:٢٢ - ٢٣]، من أصنام وآلهة وزعماء كانوا يشرعون لهم من دون الله، والمراد بالحشر: السوق بشدة، والجمع في مكان ضيق، بحيث يزدحم بعضهم مع بعض:{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:٢٣]، أي: دلوهم إلى طريق جهنم، أيضاً:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:٢٤]، حتى قبل دخول النار هناك سؤال، ولكنه سؤال يختلف عن الأسئلة كلها، سؤال لا يحتاج إلى جواب؛ لأنه سؤال تبكيت وتوبيخ، وحينما يوبخ وهو على حافة جهنم يزيد الألم معه أكثر من ذلك، ولذلك يقول الله عز وجل:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}[الصافات:٢٤ - ٢٥]، يعني: في الدنيا كنتم تتناصرون، وكان أحدكم إذا قام وأعلن الباطل وانتفخ باطله، طوقه أقرانه وناصروه، فإذا بكم اليوم لا تناصرون، وكل إنسان يستقل بنفسه، ولا يفكر إلا في نفسه، لماذا لا تتناصرون اليوم؟ أين نصرتكم التي كانت في الدنيا؟ وأين دفاع بعضكم عن بعض؟ كان أحدهم إذا كتب عن سوء في صحيفة أو كتاب أو مجلة، فإذا بشياطين الإنس والجن كلها تتعاون في مساعدة هذا الباطل وفي الدفاع عنه، كان أحدهم في الدنيا يزعم أنه يفدي ذلك الإنسان بكل ما يؤتى من قوة، فإذا بكل واحد منهم الآن يستسلم، يقول الله تعالى:{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات:٢٦]، أي: لا أحد يدافع عن أحد.
بعد ذلك أخبرنا الله بأن هناك موقفين: فيقول عن الموقف الأول في تلك اللحظة: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:٢٧]، انقسموا الآن إلى قسمين، فذهب أهل النار إلى النار، وذهب أهل الجنة إلى الجنة، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)، وهذا تساؤل لوم وعتاب، كل واحد يلعن الآخر ويسب الآخر: أنت الذي أغويتني، أنت الذي كنت سبباً في شقائي إلى آخر ذلك، (قَالُوا)، أي: قال بعضهم لبعض: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}[الصافات:٢٨]، يقول الأتباع للمتبوعين: كنتم أيها المتبوعون تأتوننا عن اليمين، هم لم يقولوا لهم: اسلكوا معنا طريق جهنم، ولكن يقولون لهم: هذا هو طريق السعادة.
هذا هو طريق الرقي والتقدم.
أما إذا سلكتم ذلك الطريق فأنتم رجعيون متخلفون، اسلكوا معنا هذا الطريق السديد، ولربما يقول بعضهم لبعض: هذا هو الطريق في أمور تشبه الطريق الصحيح، وإذا نظرنا إلى باب البدع والخرافات والشرك نجد أن كثيراً من الناس اتبعوا آخرين في طريق يشبه طريق العبادة، لكنه في الحقيقة طريق مسدود، وليس طريقاً إلى الجنة، بل طريق إلى النار.
ماذا يقول بعضهم لبعض وهم يتلاومون في جهنم؟ {قالوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}، أي: عن طريق الطاعة لا عن طريق المعصية، ماذا يرد عليهم أولئك؟ {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الصافات:٢٩]، أي: أنتم ما كنتم مؤمنين أصلاً، أنتم ضالون ونحن ضالون، فضللنا جميعاً الطريق، {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ}[الصافات:٣١]، أي: كلنا أصبحنا نذوق هذا العذاب جميعاًً.